قوله تعالى :{ وقال الرسول } يعني : ويقول الرسول في ذلك اليوم : { يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } أي : متروكاً فأعرضوا عنه ، ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه . وقيل : جعلوه بمنزلة الهجر وهو الهذيان ، وقول السيء ، فزعموا أنه شعر وسحر ، وهو قول النخعي . وقيل : قال الرسول يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يشكو قومه إلى الله يا رب : إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً .
وبعد هذه الجولة في اليوم العسير يعود بهم إلى الأرض يستعرض موقفهم مع الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] واعتراضاتهم على طريقة تنزيل القرآن . ثم ينهي هذه الجولة بمشهدهم كذلك يوم الحشر والنشور :
( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا . وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ، وكفى بربك هاديا ونصيرا . وقال الذين كفروا : لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة . كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا . ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا . الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ) . .
لقد هجروا القرآن الذي نزله الله على عبده لينذرهم . ويبصرهم . هجروه فلم يفتحوا له أسماعهم إذ كانوا يتقون أن يجتذبهم فلا يملكون لقلوبهم عنه ردا . وهجروه فلم يتدبروه ليدركوا الحق من خلاله ، ويجدوا الهدي على نوره . وهجروه فلم يجعلوه دستور حياتهم ، وقد جاء ليكون منهاج حياة يقودها إلى أقوم طريق :
( وقال الرسول : يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) . .
وإن ربه ليعلم ؛ ولكنه دعاء البث والإنابة ، يشهد به ربه على أنه لم يأل جهدا ، ولكن قومه لم يستمعوا لهذا القرآن ولم يتدبروه .
{ وقال الرسول } محمد يومئذ ، أو في الدنيا بثا إلى الله تعالى . { يا رب إن قومي } قريشا . { اتخذوا هذا القرآن مهجورا } بأن تركوه وصدوا عنه ، وعنه عليه الصلاة والسلام " من تعلم القرآن وعلق مصحفه ولم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقا به يقول : يا رب عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينه " أو هجروا ولغوا فيه إذا سمعوه أو زعموا أنه هجر وأساطير الأولين ، فيكون أصله { مهجورا } فيه فحذف الجار ويجوز أن يكون بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول ، وفيه تخويف لقومه ، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب .
عطف على أقوال المشركين ومناسبته لقوله : { لقد أضلّني عن الذكر } [ الفرقان : 29 ] أن الذكر هو القرآن فحكيت شكاية الرسول إلى ربّه قومَه من نبذهم القرآن بتسويل زعمائهم وسادتهم الذين أضلوهم عن القرآن ، أي عن التأمل فيه بعد أن جاءهم وتمكنوا من النظر ، وهذا القول واقع في الدنيا والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو خبر مستعمل في الشكاية .
والمقصود من حكاية قول الرسول إنذار قريش بأن الرسول توجه إلى ربّه في هذا الشأن فهو يستنصر به ويوشك أن ينصره ، وتأكيده ب { إنّ } للاهتمام به ليكون التشكّي أقوى . والتعبير عن قريش ب { قومي } لزيادة التذمر من فعلهم معه لأن شأن قوم الرجل أن يوافقوه .
وفعل الاتخاذ إذا قيّد بحالة يفيد شدة اعتناء المتَّخذ بتلك الحالة بحيث ارتكب الفعل لأجلها وجعله لها قصداً . فهذا أشد مبالغة في هجرهم القرآن من أن يقال : إن قومي هجروا القرآن .
واسم الإشارة في { هذا القرآن } لِتَعظيمه وأن مثله لا يُتّخَذ مهجوراً بل هو جدير بالإقبال عليه والانتفاع به .
والمهجور : المتروك والمفارَق . والمراد هنا ترك الاعتناء به وسماعِه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.