محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا} (30)

{ وَقَالَ الرَّسُولُ } أي إثر ما شاهد من عتوهم وعنادهم { يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } أي متروكا ، معرضا عنه . وجملة { وقال الرسول } عطف على { وقال الذين لا يرجون } وما بينهما اعتراض ، سيقت لانتظام ما قالوه وطلب النصر عليهم واستنزال الفرج الإلهي مما أضاقوا به الصدور ، وجلبوه من الكدور ، وللإشارة إلى ما يحيق بهم من شقاء الدارين .

تنبيه :

الآية ، وإن كانت في المشركين ، وإعراضهم هو عدم إيمانهم ، إلا أن نظمها الكريم مما يرهب عموم المعرضين عن العمل به ، والأخذ بآدابه . الذي هو حقيقة الهجر . لأن الناس إنما تعبدوا منه بذلك . إذ لا تؤثر تلاوته إلا لمن تدبرها . ولا يتدبرها إلا من يقوم بها ويتمسك بأحكامها .

ومن ( فوائد ) الإمام ابن القيم رحمه الله . قوله في هذه الآية هجر القرآن أنواع :

أحدها : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه .

والثاني : هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه ، وإن قرأه وآمن به .

والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه ، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين ، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم .

والرابع : هجر تدبره وتفهمه ، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه .

والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها . فيطلب شفاء دائه من غيره ، ويهجر التداوي به .

قال : وكل هذا داخل في هذه الآية ، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض . انتهى .

وفي ( الإكليل ) : إن في الآية إشارة إلى التحذير من هجر المصحف وعدم تعاهده بالقراءة فيه . وكذا قال أبو السعود : فيه تلويح بأن من حق المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن ، كيلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم . ثم قال : وفيه من التحذير ما لا يخفى . فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم ، عجل لهم العذاب ولم يُنظروا .