نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا} (30)

ولما ذكر سبحانه أقوال الكفار إلى أن ختم بالإضلال عن الذكر ، وكانوا مع إظهارهم التكذيب به وأنه مفتعل في غاية الطرب له ، والاهتزاز به ، والتعجب منه ، والمعرفة بأنه يكون له نبأ ، أشار إلى ذلك بقوله : عاطفاً على { وقالوا ما لهذا الرسول } معظماً لهذه الشكاية منه صلى الله عليه وسلم ، مخوفاً لقومه لأن الرسل قبله عليهم الصلاة والسلام كانوا إذا شكوا أنزل بقومهم عذاب الاستئصال : { وقال الرسول } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم : { يا رب } أيها المحسن إليّ بأنواع الإحسان الذي أعظمه الرسالة ، وعبر بأداة البعد هضماً لنفسه مبالغة في التضرع { إن قومي } أي قريشاً الذين لهم قوة وقيام ومنعة { اتخذوا } أي يتكليف أنفسهم ضد ما اتخذه { هذا القرآن } أي المقتضي للاجتماع عليه والمبادرة إليه { مهجوراً* } أي متروكاً ، فأشار بصيغة الافتعال إلى أنهم عالجوا أنفسهم في تركه علاجاً كثيراً ، لما يرون من حسن نظمه ، ويذوقون من لذيذ معانيه ، ورائق أساليبه ، ولطيف عجائبه ، وبديع غرائبه ، كما تعرّف به قصة أبي جهل وأبي سفيان بن حرب والأخنس بن شريق حين كانوا يستمعون لقراءته ليلاً ، كل واحد منهم في مكان لا يعلم به صاحباه ، ثم يجمعهم الطريق إذا أصبحوا فيتلاومون ويتعاهدون على أن لا يعودوا ، ثم يعودون حتى فعلوا ذلك ثلاث ليال ثم أكدوا على أنفسهم العهود حتى تركوا ذلك كما هو مشهور في السير .