( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ، وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ) . .
وهذه مراجعة من الجن لما كانوا يسمعون من سفهائهم من الشرك بالله ، وادعاء الصاحبة والولد والشريك ، بعدما تبين لهم من سماع القرآن أنه لم يكن حقا ولا صوابا ، وأن قائليه إذن سفهاء فيهم خرق وجهل ، وهم يعللون تصديقهم لهؤلاء السفهاء من قبل بأنهم كانوا لا يتصورون أن أحدا يمكن أن يكذب على الله من الإنس أو الجن . فهم يستعظمون ويستهولون أن يجرؤ أحد على الكذب على الله . فلما قال لهم سفهاؤهم : إن لله صاحبة وولدا ، وإن له شريكا صدقوهم ، لأنهم لم يتصوروا أنهم يكذبون على الله أبدا . . وهذا الشعور من هؤلاء النفر بنكارة الكذب على الله ، هو الذي أهلهم للإيمان . فهو دلالة على أن قلوبهم نظيفة مستقيمة ؛ إنما جاءها الضلال من الغرارة والبراءة ! فلما مسها الحق انتفضت ، وأدركت ، وتذوقت وعرفت . وكان منهم هذا الهتاف المدوي : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ، ولن نشرك بربنا أحدا . وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا . .
وهذه الإنتفاضة من مس الحق ، جديرة بأن تنبه قلوبا كثيرة مخدوعة في كبراء قريش ، وزعمهم أن لله شركاء أو صاحبة وولدا . وأن تثير في هذه القلوب الحذر واليقظة ، والبحث عن الحقيقة فيما يقوله محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وما يقوله كبراء قريش ، وأن تزلزل الثقة العمياء في مقالات السفهاء من الكبراء ! وقد كان هذا كله مقصودا بذكر هذه الحقيقة . وكان جولة من المعركة الطويلة بين القرآن وبين قريش العصية المعاندة ؛ وحلقة من حلقات العلاج البطيء لعقابيل الجاهلية وتصوراتها في تلك القلوب . التي كان الكثير منها غرا بريئا ، ولكنه مضلل مقود بالوهم والخرافة وأضاليل المضللين من القادة الجاهليين !
ثم قالوا : { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا } قال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والسدي : { سَفِيهُنَا } يعنون : إبليس ، { شَطَطًا } قال السُّدِّي ، عن أبي مالك : { شَطَطًا } أي : جورا . وقال ابن زيد : ظلما كبيرا .
ويحتمل أن يكون المراد بقولهم : { سَفِيهُنَا } اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو ولدا . ولهذا قالوا : { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } أي : قبل إسلامه { عَلَى اللَّهِ شَطَطًا } أي : باطلا وزورا ؛
وقوله تعالى : { وإنه كان يقول } لا خلاف أن هذا من قول الجن ، وكسر الألف فيه أبين وفتحها لا وجه له إلا اتباع العطف على الضمير . كأنهم قالوا الآن بأن { سفيهنا } كان قوله { شططاً } . والسفيه المذكور قال جميع المفسرين هو إبليس لعنه الله . وقال آخرون هو اسم جنس لكل سفيه منهم . ولا محالة أن إبليس صدر في السفهاء وهذا القول أحسن . والشطط : التعدي وتجاوز الحد بقول أو فعل ومنه قول الأعشى : [ البسيط ]
أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط*** كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل{[11364]}
قرأه الجمهور بكسرة همزة { وإنه } . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وأبو جعفر وخلف بفتح الهمزة كما تقدم في قوله : { وأنه تعالى جدّ ربنا } [ الجن : 3 ] فقد يكون إيمانهم بتعالي الله عن أن يتخذ صاحبة وولداً ناشئاً على ما سمعوه من القرآن وقد يكون ناشئاً على إدراكهم ذلك بأدلة نظرية .
والسفيه : هنا جنس ، وقيل : أرادوا به إبليس ، أي كان يلقنهم صفات الله بما لا يليق بجلاله ، أي كانوا يقولون على الله شططاً قبل نزول القرآن بتسفيههم في ذلك .
والشطط : مجاوزة الحد وما يخرج عن العدل والصواب ، وتقدم في قوله تعالى : { ولا تشطط } في سورة ص ( 22 ) . والمراد بالشطط إثبات ما نفاه قوله : { ولن نشرك بربنا أحداً } [ الجن : 2 ] وقوله : { ما اتخذ صاحبة ولا ولداً } [ الجن : 3 ] وضمير { وإنه } ضمير الشأن .
والقول فيه وفي التأكيد ب ( إن ) مكسورةً أو مفتوحة كالقول في قوله : { وإنه تعالى جد ربنا } [ الجن : 3 ] الخ .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأنه كان يقول سفيهنا} يعني جاهلنا يعني كفارهم.
{على الله شططا} يعني جورا بأن مع الله شريكا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل النفر من الجنّ الذين استمعوا القرآن:
"وأنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهنا" وهو إبليس.
وأما الشّطط من القول، فإنه ما كان تعدّيا. قال ابن زيد،" شَطَطا ": ظلما.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فمنهم من ذكر أن سفيههم إبليس، وليس هذا يرجع إلى كل من يوجد منه فعل السفه، فعلى ذلك قوله: {وأنه كان يقول سفيهنا} ليس بمقتصر على الواحد، بل هو راجع إلى كل من يوجد منه ذلك.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدهما: جوراً، وهو قول أبي مالك.
وأصل الشطط البعد، فعبر به عن الجور لبعده من العدل، وعن الكذب لبعده عن الصدق.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
الشطط: السرف في ظلم النفس والخروج عن الحق.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والشطط: مجاوزة الحدّ في الظلم وغيره. أي: يقول قولا هو في نفسه شطط؛ لفرط ما أشطَّ فيه، وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{سفيهنا} وهو الجنس فيتناول إبليس رأس الجنس تناولاً أولياً، وكل من تبعه ممن لم يعرف الله، لأن ثمرة العقل العلم، وثمرة العلم معرفة الله، فمن لم يعرفه فهو الذي يلازم الطيش والغي لأنه لا علم عنده أصلاً يحمله على الرزانة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا، وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا)..
وهذه مراجعة من الجن لما كانوا يسمعون من سفهائهم من الشرك بالله، وادعاء الصاحبة والولد والشريك، بعدما تبين لهم من سماع القرآن أنه لم يكن حقا ولا صوابا، وأن قائليه إذن سفهاء فيهم خرق وجهل، وهم يعللون تصديقهم لهؤلاء السفهاء من قبل بأنهم كانوا لا يتصورون أن أحدا يمكن أن يكذب على الله من الإنس أو الجن. فهم يستعظمون ويستهولون أن يجرؤ أحد على الكذب على الله. فلما قال لهم سفهاؤهم: إن لله صاحبة وولدا، وإن له شريكا صدقوهم، لأنهم لم يتصوروا أنهم يكذبون على الله أبدا.. وهذا الشعور من هؤلاء النفر بنكارة الكذب على الله، هو الذي أهلهم للإيمان. فهو دلالة على أن قلوبهم نظيفة مستقيمة؛ إنما جاءها الضلال من الغرارة والبراءة! فلما مسها الحق انتفضت، وأدركت، وتذوقت وعرفت. وكان منهم هذا الهتاف المدوي: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به، ولن نشرك بربنا أحدا. وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا..
وهذه الإنتفاضة من مس الحق، جديرة بأن تنبه قلوبا كثيرة مخدوعة في كبراء قريش، وزعمهم أن لله شركاء أو صاحبة وولدا. وأن تثير في هذه القلوب الحذر واليقظة، والبحث عن الحقيقة فيما يقوله محمد [صلى الله عليه وسلم] وما يقوله كبراء قريش، وأن تزلزل الثقة العمياء في مقالات السفهاء من الكبراء! وقد كان هذا كله مقصودا بذكر هذه الحقيقة. وكان جولة من المعركة الطويلة بين القرآن وبين قريش العصية المعاندة؛ وحلقة من حلقات العلاج البطيء لعقابيل الجاهلية وتصوراتها في تلك القلوب. التي كان الكثير منها غرا بريئا، ولكنه مضلل مقود بالوهم والخرافة وأضاليل المضللين من القادة الجاهليين!