فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطٗا} (4)

{ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ الإنس } قالا : لأنه من الوحي ، وكسرا ما بقي لأنه من كلام الجنّ . وقرأ الجمهور : { وأنه لما قام عبد الله } [ الجن : 19 ] بالفتح ، لأنه معطوف على قوله : { أَنَّهُ استمع } . وقرأ نافع وابن عامر وشيبة وزرّ بن حبيش وأبو بكر والمفضل عن عاصم بالكسر في هذا الموضع عطفاً على فآمنا به بذلك التقدير السابق ، واتفقوا على الفتح في { أَنَّهُ استمع } كما اتفقوا على الفتح في { أنّ المساجد } [ الجن : 18 ] وفي { وَأِن لو استقاموا } [ الجن : 16 ] واتفقوا على الكسر في : { فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا } و { قُلْ إِنَّمَا ادعوا رَبّي } [ الجن : 20 ] و : { قُلْ إِنْ أَدْرِى } [ الجن : 25 ] و { قُلْ إِنّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ } [ الجن : 21 ] . والجدّ عند أهل اللغة العظمة والجلال ، يقال : جدّ في عيني : أي عظم ، فالمعنى : ارتفع عظمة ربنا وجلاله ، وبه قال عكرمة ومجاهد وقال الحسن : المراد تعالى غناه ، ومنه قيل للحظ ، جدّ : ورجل مجدود : أي محظوظ ، وفي الحديث : «ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ » قال أبو عبيد ، والخليل : أي لا ينفع ذا الغنى منك الغنى : أي إنما تنفعه الطاعة ، وقال القرطبي والضحاك : جدّه آلاؤه ، ونعمه على خلقه . وقال أبو عبيدة والأخفش : ملكه وسلطانه . وقال السديّ : أمره . وقال سعيد بن جبير : { وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبّنَا } أي تعالى ربنا وقيل : جدّه قدرته . وقال محمد بن عليّ بن الحسين وابنه جعفر الصادق والربيع بن أنس : ليس لله جدّ ، وإنما قالته الجنّ للجهالة . قرأ الجمهور : «جَدّ » بفتح الجيم ، وقرأ عكرمة وأبو حيوة ومحمد بن السميفع بكسر الجيم ، وهو ضدّ الهزل ، وقرأ أبو الأشهب : «جدي ربنا » : أي جدواه ومنفعته . وروي عن عكرمة أيضاً أنه قرأ بتنوين ( جدّ ) ورفع ( ربنا ) على أنه بدل من جدّ { مَا اتخذ صاحبة وَلاَ وَلَداً } هذا بيان لتعالى جدّه سبحانه . قال الزجاج : تعالى جلال ربنا وعظمته عن أن يتخذ صاحبة أو ولداً ، وكأن الجن نبهوا بهذا على خطأ الكفار الذين ينسبون إلى الله الصاحبة والولد ، ونزّهوا الله سبحانه عنهما . { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى الله شَطَطاً } الضمير في { أنه } للحديث ، أو الأمر ، { وسفيهنا } يجوز أن يكون اسم كان ، و { يقول } الخبر ، ويجوز أن يكون سفيهنا فاعل يقول ، والجملة خبر كان ، واسمها ضمير يرجع إلى الحديث ، أو الأمر ، ويجوز أن تكون كان زائدة ، ومرادهم بسفيههم عصاتهم ومشركوهم . وقال مجاهد وابن جريج وقتادة : أرادوا به إبليس ، والشطط : الغلوّ في الكفر . وقال أبو مالك : الجور ، وقال الكلبي : الكذب ، وأصله البعد عن القصد ومجاوزة الحدّ ، ومنه قول الشاعر :

بأية حال حكموا فيك فاشتطوا *** وما ذاك إلاّ حيث يممك الوخط

/خ13