وعن ابن عباس أيضاً قال : هي اثنتا عشرة خصلة ، ستة في الدنيا وستة في الآخرة . وهي ما ذكره بقوله عز وجل :{ وإذا النفوس زوجت } روى النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن هذه الآية ؟ فقال : يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ، ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار ، وهذا معنى قول عكرمة . وقال الحسن وقتادة : ألحق كل امرئ بشيعته ، اليهودي باليهودي والنصراني بالنصراني . قال الربيع بن خثيم : يحشر الرجل مع صاحب عمله . وقيل : زوجت النفوس بأعمالها . وقال عطاء ومقاتل : زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، وقرنت نفوس الكافرين بالشياطين . وروي عن عكرمة قال : { وإذا النفوس زوجت } ردت الأرواح في الأجساد .
وقوله : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } أي : جمع كل شكل إلى نظيره ، كقوله : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الصباح البزار ، حدثنا الوليد بن أبي ثور ، عن سمَاك ، عن النعمان بن بشير أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال : الضرباء ، كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله " ، وذلك بأن الله عز وجل يقول : { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } [ الواقعة : 7 - 10 ] ، قال : هم الضرباء{[29754]} .
ثم رواه ابن أبي حاتم من طرق أخر ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير أن عُمَر خطب الناس فقرأ : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } فقال : تَزَوّجها : أن تؤلف{[29755]} كل شيعة إلى شيعتهم . وفي رواية : هما الرجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنة أو النار{[29756]} .
وفي رواية عن النعمان قال : سئل عمر عن قوله تعالى : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } فقال : يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح ، ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار ، فذلك تزويج الأنفس .
وفي رواية عن النعمان أن عمر قال للناس : ما تقولون في تفسير هذه الآية : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } ؟ فسكتوا . قال : ولكن هو الرجل يزوج نظيره من أهل الجنة ، والرجل يزوج نظيره من أهل النار ، ثم قرأ : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ }
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال : ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة .
وقال ابن أبي نَجيح ، عن مجاهد : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال : الأمثال من الناس جمع بينهم . وكذا قال الربيع بن خُثَيم{[29757]} والحسن ، وقتادة . واختاره ابن جرير ، وهو الصحيح .
قول آخر في قوله : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال ابن أبي حاتم :
حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أشعث [ بن سوار ]{[29758]} ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : يسيل واد من أصل العرش من ماء فيما بين الصيحتين ، ومقدار ما بينهما أربعون عاما ، فينبت منه كل خلق بلي ، من الإنسان أو طير أو دابة ، ولو مر عليهم مار قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم على الأرض . قد نبتوا ، ثم تُرسَل الأرواح فتزوج الأجساد ، فذلك قول الله تعالى{[29759]} : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ }
وكذا قال أبو العالية ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والحسن البصري أيضا في قوله : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } أي : زوجت بالأبدان . وقيل : زوج المؤمنون بالحور العين ، وزوج الكافرون بالشياطين . حكاه القرطبي في " التذكرة " {[29760]} .
و «تزويج النفوس » : هو تنويعها ، لأن الأزواج هي الأنواع والمعنى : جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن وكل شكل مع شكله ، رواه النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم{[11655]} ، وقاله عمر بن الخطاب وابن عباس ، وقال : هذا نظير قوله تعالى :
{ وكنتم أزواجاً ثلاثة } [ الواقعة : 7 ] وفي الآية على هذا حض على خليل الخبر ، فقد قال عليه السلام : «المرء مع من أحب »{[11656]} ، وقال : «فلينظر أحدكم من يخالل »{[11657]} ، وقال الله تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين }{[11658]} [ الزخرف : 67 ] ، وقال مقاتل بن سليمان : زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهم من الحور وغيرهن ، وقال عكرمة والضحاك والشعبي : زوجت الأرواح الأجساد ، وقرأ عاصم : «زوجت » غير مدغم{[11659]}