ومن هذه الجولة في مصارع الطغاة المعتدين بقوتهم ، يعود إلى المشركين المعتزين بقوتهم كذلك . فيردهم إلى شيء من مظاهر القوة الكبرى ، في هذا الكون الذي لا تبلغ قوتهم بالقياس إليه شيئا :
( أأنتم أشد خلقا أم السماء ? بناها . رفع سمكها فسواها . وأغطش ليلها وأخرج ضحاها . والأرض بعد ذلك دحاها . أخرج منها ماءها ومرعاها . والجبال أرساها . متاعا لكم ولأنعامكم ) . .
وهو استفهام لا يحتمل إلا إجابة واحدة بالتسليم الذي لا يقبل الجدل : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء ? ) . . السماء ! بلا جدال ولا كلام ! فما الذي يغركم من قوتكم والسماء أشد خلقا منكم ، والذي خلقها أشد منها ? هذا جانب من إيحاء السؤال . وهناك جانب آخر . فما الذي تستصعبونه من أمر بعثكم ? وهو خلق السماء وهي أشد من خلقكم ؛ وبعثكم هو إعادة لخلقكم ، والذي بنى السماء وهي أشد ، قادر على إعادتكم وهي أيسر !
هذه السماء الأشد خلقا بلا مراء . . ( بناها ) . . والبناء يوحي بالقوة والتماسك ، والسماء كذلك . متماسكة . لا تختل ولا تتناثر نجومها وكواكبها . ولا تخرج من أفلاكها ومداراتها ، ولا تتهاوى ولا تنهار . فهي بناء ثابت وطيد متماسك الأجزاء .
يقول تعالى محتجًا على منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه : { أَأَنْتُمْ } أيها الناس { أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ } ؟ يعني : بل السماءُ أشدّ خلقًا منكم ، كما قال تعالى : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } [ غافر : 57 ] ، وقال : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ {[29683]} } [ يس : 81 ] ،
فقوله : { بَنَاهَا } فسره بقوله : { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا }
وقوله : أأنْتُمْ أشَدّ خَلْقا أمِ السّماءُ بَناها يقول تعالى ذكره للمكذّبين بالبعث من قريش ، القائلين أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً قالُوا تِلكَ إذًا كَرّةٌ خاسِرَةٌ : أأنتم أيها الناس أشدّ خلقا ، أم السماء بناها ربكم ؟ فإن من بنى السماء فرفعها سقفا ، هَيّن عليه خلقكم وخلق أمثالكم ، وإحياؤكم بعد مماتكم . وليس خلقكم بعد مماتكم بأشدّ من خلق السماء . وعُني بقوله : بَناها : رَفَعها ، فجعلها للأرض سقفا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.