في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{ءَأَنتُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَمِ ٱلسَّمَآءُۚ بَنَىٰهَا} (27)

ومن هذه الجولة في مصارع الطغاة المعتدين بقوتهم ، يعود إلى المشركين المعتزين بقوتهم كذلك . فيردهم إلى شيء من مظاهر القوة الكبرى ، في هذا الكون الذي لا تبلغ قوتهم بالقياس إليه شيئا :

( أأنتم أشد خلقا أم السماء ? بناها . رفع سمكها فسواها . وأغطش ليلها وأخرج ضحاها . والأرض بعد ذلك دحاها . أخرج منها ماءها ومرعاها . والجبال أرساها . متاعا لكم ولأنعامكم ) . .

وهو استفهام لا يحتمل إلا إجابة واحدة بالتسليم الذي لا يقبل الجدل : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء ? ) . . السماء ! بلا جدال ولا كلام ! فما الذي يغركم من قوتكم والسماء أشد خلقا منكم ، والذي خلقها أشد منها ? هذا جانب من إيحاء السؤال . وهناك جانب آخر . فما الذي تستصعبونه من أمر بعثكم ? وهو خلق السماء وهي أشد من خلقكم ؛ وبعثكم هو إعادة لخلقكم ، والذي بنى السماء وهي أشد ، قادر على إعادتكم وهي أيسر !

هذه السماء الأشد خلقا بلا مراء . . ( بناها ) . . والبناء يوحي بالقوة والتماسك ، والسماء كذلك . متماسكة . لا تختل ولا تتناثر نجومها وكواكبها . ولا تخرج من أفلاكها ومداراتها ، ولا تتهاوى ولا تنهار . فهي بناء ثابت وطيد متماسك الأجزاء .

/خ33