ذلك مرتبط بأن الله هو الحق . فالحق هو المسيطر على نظام هذا الكون . وكل ما دون الله باطل يختل ويتخلف ولا يطرد أو يستقيم .
( ذلك بأن الله هو الحق ، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ) . .
وذلك تعليل كاف وضمان كاف لانتصار الحق والعدل ، وهزيمة الباطل والبغي . وهو كذلك ضمان لاطراد سنن الكون وثباتها ، وعدم تخلخلها أو تخلفها . ومن هذه السنن انتصار الحق وهزيمة البغي .
والله أعلى من الطغاة ، وأكبر من الجبارين : ( وأن الله هو العلي الكبير ) . . فلن يدع البغي يستعلي والظلم يستطيل .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ هُوَ الْحَقّ وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنّ اللّهَ هُوَ الْعَلِيّ الْكَبِيرُ } .
يعني تعالى ذكره بقوله ذَلكَ هذا الفعل الذي فعلت من إيلاجي الليل في النهار وإيلاجِي النهار في الليل لأني أنا الحقّ الذي لا مثل لي ولا شريك ولا ندّ ، وأن الذي يدعوه هؤلاء المشركون إلها من دونه هو الباطل الذي لا يقدر على صنعة شيء ، بل هو المصنوع يقول لهم تعالى ذكره : أفتتركون أيها الجهال عبادة من منه النفع وبيده الضر وهو القادر على كل شيء وكلّ شيء دونه ، وتعبدون الباطل الذي لا تنفعكم عبادته . وقوله : وأنّ اللّهَ هُوَ العَلِيّ الكَبيرُ يعني بقوله : العَلِيّ ذو العلوّ على كل شيء ، هو فوق كلّ شيء وكل شيء دونه . الكَبِيرُ يعني العظيم ، الذي كل شيء دونه ولا شيء أعظم منه .
وكان ابن جُرَيج يقول في قوله : وأنّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الباطلُ ما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، في قوله : وأنّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الباطِلُ قال : الشيطان .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وأنّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ فقرأته عامة قرّاء العراق والحجاز : تَدْعُونَ بالتاء على وجه الخطاب وقرأته عامة قرّاء العراق غير عاصم بالياء على وجه الخبر ، والياء أعجب القراءتين إليّ ، لأن ابتداء الخبر على وجه الخطاب .
{ ذلك } الوصف بكمال القدرة والعلم . { بأن الله هو الحق } الثابت في نفسه الواجب لذاته وحده ، فإن وجوب وجوده ووحدته يقتضيان أن يكون مبدأ لكل ما يوجد سواه عالما بذاته وبما عداه ، أو الثابت الإلهية ولا يصلح لها إلا من كان قادرا عالما . { وأن ما يدعون من دونه } إلها ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر بالتاء على مخاطبة المشركين ، وقرأ بالبناء للمفعول فتكون الواو لما فإنه في معنى الآلهة . { هو الباطل } المعدوم في حد ذاته ، أو باطل الألوهية . { وأن الله هو العلي } على الأشياء { الكبير } على أن يكون له شريك لا شيء أعلى منه شأنها وأكبر منه سلطانا .
اسم الإشارة هنا تكرير لاسم الإشارة الذي سبقه ولذلك لم يعطف . ثم أخبر عنه بسبب آخر لنصر المؤمنين على المشركين بأن الله هو الرب الحق الذي إذا أراد فعَل وقدر فهو ينصر أولياءه وأن ما يدعوه المشركون من دون الله هو الباطل فلا يستطيعون نَصْرَهم ولا أنفسَهم يَنصُرون . وهذا على حمل الباء في قوله : { بأن الله هو الحق } على معنى السببية ، وهو محمل المفسرين . وسيأتي في سورة لُقمان في نظيرها : أن الأظهر حمل الباء على الملابسة ليلتئم عطف { وأن ما تدعون من دونه هو الباطل } .
والحق : المطابق للواقع ، أي الصدق ، مأخوذ من حَقّ الشيءُ إذا ثبَت : والمعنى : أنه الحق في الإلهيّة ، فالقصر في هذه الجملة المستفاد من ضمير الفصل قصر حقيقي .
وأما القصر في قوله { وأن ما تدعون من دونه هو الباطل } المستفاد من ضمير الفصل فهو قصر ادعائيّ لعدم الاعتداد بباطللِ غيرها حتى كأنه ليس من الباطل . وهذا مبالغة في تحقير أصنامهم لأنّ المقام مقام مناضلة وتوعد ، وإلا فكثير من أصنام وأوثان غير العرب باطل أيضاً .
وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر { تَدْعُون } بالتاء الفوقيّة على الالتفات إلى خطاب المشركين لأنّ الكلام السابق الذي جرت عليهم فيه ضمائر الغيبة مقصود منه إسماعهم والتعريض باقتراب الانتصار عليهم . وقرأ البقية بالتحتية على طريقة الكلام السابق .
وعلوّ الله : مستعار للجلال والكمال التام .
والكِبر : مستعار لتمام القدرة ، أي هو العلي الكبير دون الأصنام التي تعبدونها إذ ليس لها كمال ولا قدرة ببرهان المشاهدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.