قوله تعالى :{ فخرج على قومه في زينته } قال إبراهيم النخعي : خرج هو وقومه في ثياب حمر وصفر ، قال ابن زيد : في سبعين ألفاً عليهم المعصفرات . قال مجاهد : على براذين بيض عليها سرج الأرجوان . قال مقاتل : خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان ، ومعه أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ، قال مقاتل : خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان ، ومعه أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلثمائة جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر ، وهن على البغال الشهب ، { قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم } من المال .
{ فَخَرَجَ } ذات يوم { فِي زِينَتِهِ } أي : بحالة أرفع ما يكون من أحوال دنياه ، قد كان له من الأموال ما كان ، وقد استعد وتجمل بأعظم ما يمكنه ، وتلك الزينة في العادة من مثله تكون هائلة ، جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وغضارتها وفخرها ، فرمقته في تلك الحالة العيون ، وملأت بِزَّتُهُ القلوب ، واختلبت زينته النفوس ، فانقسم فيه الناظرون قسمين ، كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة .
ف { قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } أي : الذين تعلقت إرادتهم فيها ، وصارت منتهى رغبتهم ، ليس لهم إرادة في سواها ، { يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ } من الدنيا ومتاعها وزهرتها { إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } وصدقوا إنه لذو حظ عظيم ، لو كان الأمر منتهيا إلى رغباتهم ، وأنه ليس وراء الدنيا ، دار أخرى ، فإنه قد أعطي منها ما به غاية التنعم{[614]} بنعيم الدنيا ، واقتدر بذلك على جميع مطالبه ، فصار هذا الحظ العظيم ، بحسب همتهم ، وإن همة جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى مطلبها ، لَمِنْ أدنى الهمم وأسفلها وأدناها ، وليس لها أدنى صعود إلى المرادات العالية والمطالب الغالية .
يقول تعالى مخبرًا عن قارون : إنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة ، وتجمل باهر ، من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه ، فلما رآه مَنْ يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زُخرفها وزينتها ، تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي ، قالوا : { يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي : ذو حظ وافر من الدنيا .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَخَرَجَ عَلَىَ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا يَلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ } .
يقول تعالى ذكره : فخرج قارون على قومه في زينته ، وهي فيما ذكر ثياب الأُرْجُوان . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا طلحة بن عمرو ، عن أبي الزبير ، عن جابر فخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال : في القِرْمز .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال : في ثياب حُمْر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد فخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال : على بَراذين بِيض ، عليها سروج الأُرْجُوان ، عليهم المعصفرات .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد فخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال : عليه ثوبان مُعَصْفران .
وقال ابن جُرَيج : على بغلة شهباء عليها الأُرجوان ، وثلاث مِئة جارية على البغال الشّهْب ، عليهنّ ثياب حمر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ويحيى بن يمان ، عن مبارك ، عن الحسن فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال : في ثياب حُمر وصُفر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، أنه سمع إبراهيم النخَعِيّ ، قال في هذه الاَية فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال : في ثياب حمر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن إبراهيم النخعيّ ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا غندر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن إبراهيم مثله .
حدثنا محمد بن عمرو بن عليّ المقدمي ، قال : حدثنا إسماعيل بن حكيم ، قال : دخلنا على مالك بن دينار عشية ، وإذا هو في ذكر قارون ، قال : وإذا رجل من جيرانه عليه ثياب مُعَصفرة ، قال : فقال مالك : فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال : في ثياب مثل ثياب هذا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ : ذُكر لنا أنهم خرجوا على أربعة آلاف دابة ، عليهم وعلى دوابهم الأُرجُوان .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال : خرج في سبعين ألفا ، عليهمُ المعصفرات ، فيما كان أبي يذكر لنا .
قالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ الحَياةَ الدّنْيا : يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ يقول تعفالى ذكره : قال الذين يريدون زينة الحياة الدنيا من قوم قارون : يا ليتنا أُعطينا مثل ما أعطى قارون من زينتها إنّهُ لَذُو حَظَ عَظِيمٍ يقول : إن قارون لذو نصيب من الدنيا .
عطف على جملة { وآتيناه من الكنوز } [ القصص : 76 ] إلى آخرها مع ما عطف عليها وتعلق بها ، فدلت الفاء على أن خروجه بين قومه في زينته بعد ذلك كله كان من أجل أنه لم يقصر عن شيء من سيرته ولم يتعظ بتلك المواعظ ولا زمناً قصيراً بل أعقبها بخروجه هذه الخرجة المليئة صلفاً وازدهاء . فالتقدير : قال إنما أوتيته على علم عندي فخرج ، أي رفض الموعظة بقوله وفعله . وتعدية ( خرج ) بحرف { على } لتضمينه معنى النزول إشارة إلى أنه خروج متعال مترفِّع ، و { في زينته } حال من ضمير ( خرج ) .
والزينة : ما به جمال الشيء والتباهي به من الثياب والطيب والمراكب والسلاح والخدم ، وتقدم قوله تعالى { ولا يُبْدين زينتهن } في سورة [ النور : 31 ] . وإنما فصلت جملة { قال الذين يريدون الحياة الدنيا } ولم تعطف لأنها تتنزل منزلة بدل الاشتمال لما اشتملت عليه الزينة من أنها مما يتمناه الراغبون في الدنيا . وذلك جامع لأحوال الرفاهية وعلى أخصر وجه لأن الذين يريدون الحياة الدنيا لهم أميال مختلفة ورغبات متفاوتة فكل يتمنى أمنية مما تلبس به قارون من الزينة ، فحصل هذا المعنى مع حصول الأخبار عن انقسام قومه إلى مغترين بالزخارف العاجلة عن غير علم ، وإلى علماء يؤثرون الآجل على العاجل ، ولو عطفت جملة { قال الذين يريدون } بالواو وبالفاء لفاتت هذه الخصوصية البليغة فصارت الجملة إما خبراً من جملة الأخبار عن حال قومه ، أو جزء خبر من قصته .
و { الذين يريدون الحياة الدنيا } لما قوبلوا ب { الذين أوتوا العلم } [ القصص : 80 ] كان المعنيُّ بهم عامة الناس وضعفاء اليقين الذين تلهيهم زخارف الدنيا عما يكون في مطاويها من سوء العواقب فتقصر بصائرهم عن التدبر إذا رأوا زينة الدنيا فيتلهفون عليها ولا يتمنون غير حصولها فهؤلاء وإن كانوا مؤمنين إلا أن إيمانهم ضعيف فلذلك عظم في عيونهم ما عليه قارون من البذخ فقالوا { إنه لذو حظ عظيم } أي إنه لذو بخت وسعادة .
وأصل الحظ : القِسم الذي يعطاه المقسوم له عند العطاء ، وأريد به هنا ما قسم له من نعيم الدنيا .
والتوكيد في قوله { إنه لذو حظ عظيم } كناية عن التعجب حتى كأن السامع ينكر حظه فيؤكده المتكلم .