{ وأما إذا ما ابتلاه } بالفقر ، { فقدر عليه رزقه } قرأ أبو جعفر وابن عامر { فقدر } بتشديد الدال ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، وهما لغتان ، أي ضيق عليه رزقه . وقيل : قدر بمعنى قتر وأعطاه قدر ما يكفيه . { فيقول ربي أهانن } أذلني بالفقر . وهذا يعني به الكافر ، تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة المال والحظ في الدنيا وقلته . قال الكلبي ومقاتل : نزلت في أمية بن خلف الجمحي الكافر . وقيل : ليس المراد به واحدا بعينه ، بل المراد جنس الكافر ، وهو الذي تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة المال ، والحظ في الدنيا وقتله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَمّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّيَ أَهَانَنِ * كَلاّ بَل لاّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضّونَ عَلَىَ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التّرَاثَ أَكْلاً لّمّاً } .
وقوله : وَأمّا إذَا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ يقول : وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ يقول : فضيّق عليه رزقه وقَتّره ، فلم يكثر ماله ، ولم يوسع عليه فَيَقُولُ رَبّي أهانَنِ يقول : فيقول ذلك الإنسان : ربي أهانني ، يقول : أذلني بالفقر ، ولم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه ، ورزقه من العافية في جسمه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَأمّا إذَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّي أهانَنِي ما أسرع كفرَ ابن آدم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله : فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ قال : ضَيّقه .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فقرأت عامة قرّاء الأمصار ذلك بالتخفيف ، فقَدَر : بمعنى فقتر ، خلا أبي جعفر القارىء ، فإنه قرأ ذلك بالتشديد : «فَقَدّر » . وذُكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول : قدّر ، بمعنى يعطيه ما يكفيه ، ويقول : لو فعل ذلك به ما قال ربي أهانني .
والصواب من قراءة ذلك عندنا بالتخفيف ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .
و { ابتلاه } معناه : اختبره ، و { نعمه } معناه : جعله ذا نعمة ، وقرأ ابن كثير «أكرمني » بالياء في وصل ووقف وحذفها عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في الوجهين : وقرأ نافع بالياء في الوصل وحذفها في الوقف ، وكذلك «أهانني » ، وخير في الوجهين أبو عمرو ، وقرأ جمهور الناس : «فقدَر » بتخفيف الدال ، بمعنى ضيق ، وقرأ الحسن بخلاف وأبو جعفر وعيسى «قدّر » بمعنى : جعله على قدر ، وهما بمعنى واحد في معنى التضييق لأنه ضعف قدر مبالغة جعفر وعيسى وخالد :«قدّر » بشد الدال{[11800]} ، بمعنى : جعله على قدر ، وهم بمعنى واحد في معنى التضييق لأنه ضعف قدر مبالغة لا تعدية ، ويقتضي ذلك قول الإنسان { أهانني } ، لأن «قدر » معدي إنما معناه أعطاه ما يكفيه ولا إهانة مع ذلك .
ومعنى : { فقدر عليه رزقه } أعطاه بقَدْر محدود ، ومنه التقتير بالتاء الفوقية عوضاً عن الدال ، وكلّ ذلك كناية عن القلة ويقابله بسط الرزق قال تعالى : { ولو بسط اللَّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء } [ الشورى : 27 ] .
والهاء في { رزقه } يجوز أن تعود إلى { الإنسان } من إضافة المصدر إلى المفعول ، ويجوز أن تعود إلى { ربه } من إضافة المصدر إلى فاعله .
والإِهانة : المعاملة بالهون وهو الذل .
وإسناد { فأكرمه } و{ نعمه } . . . { فقدر عليه رزقه } إلى الرب تعالى لأن الكرامة والنعمة انساقت للإِنسان أو انساق له قَدَر الرزق بأسباب من جعل الله وسننه في هذه الحياة الدنيا بما يصادف بعضُ الحوادث بعضاً ، وأسباب المقارنة بين حصول هذه المعاني وبين من تقع به من الناس في فُرصها ومناسباتها .
والقول مستعمل في حقيقته وهو التكلم ، وإنما يتكلم الانسان عن اعتقاد . فالمعنى : فيقول ربي أكرمني ، معتقداً ذلك ، ويقول : ربيَ أهانني ، معتقداً ذلك لأنهم لا يخلون عن أن يفتخروا بالنعمة ، أو يتذمروا من الضيق والحاجة ، ونظير استعمال القول هذا الاستعمال ما وقع في قوله تعالى : { ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } [ آل عمران : 75 ] ، أي اعتقدوا ذلك فقالوه واعتذروا به لأنفسهم بين أهل ملتهم .
وتقديم { ربي } على فعل { أكرمني } وفعللِ { أهانني } ، دون أن يقول : أكرمني ربي أو أهانني ربي ، لقصد تقوّي الحكم ، أي يقول ذلك جازماً به غير متردد .
وجملتا : { فيقول } في الموضعين جوابان ل ( إمَّا ) الأولى والثانية ، أي يطرد قول الإِنسان هذه المقالة كلَّما حصلتْ له نعمة وكلما حصل له تقتير رزق .
وأوثِر الفعل المضارع في الجوابين لإِفادة تكرر ذلك القول وتجدده كلما حصل مضمون الشرطين .
وحرف { كَلاّ } زجر عن قول الإِنسان { ربي أكرمن } عند حصول النعمة . وقوله : { ربيَ أهانني } عندما يناله تقتير ، فهو ردع عن اعتقاد ذلك فمناط الردع كِلاَ القولين لأن كل قول منهما صادر عن تأول باطل ، أي ليست حالة الإنسان في هذه الحياة الدنيا دليلاً على منزلته عند الله تعالى .
وإنما يُعرَف مراد الله بالطرق التي أرشد الله إليها بواسطة رسله وشرائعه ، قال تعالى : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً } إلى قوله : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } في سورة الكهف ( 103 105 ) . فرب رجل في نعمة في الدنيا هو مسخوط عليه ورب أشعَث أغبر مطرود بالأبواب لو أقسم على الله لأبَرَّهُ .
فمناط الردع جعل الإِنعام علامة على إرادة الله إكرام المنعم عليه وجعل التقتير علامة على إرادة الإِهانة ، وليس مناطه وقوع الكرامة ووقوع الإِهانة لأن الله أهان الكافرَ بعذاب الآخرة ولو شاء إهانته في الدنيا لأجل الكفر لأهان جميع الكفرة بتقتير الرزق .
وبهذا ظهر أن لا تنافي بين إثبات إكرام الله تعالى الإِنسان بقوله : { فأكرمه } وبين إبطال ذلك بقوله : { كلا } لأن الإِبطال وارد على ما قصده الإِنسان بقوله : { ربي أكرمن } أن ما ناله من النعمة علامةٌ على رضى الله عنه .
فالمعنى : أن لشأن الله في معاملته الناس في هذا العالم أسراراً وعِللاً لا يُحاط بها ، وأن أهل الجهالة بمعزل عن إدراك سرها بأقْيسة وهمية ، والاستناد لمألوفات عادية ، وأن الأولى لهم أن يتطلبوا الحقائق من دلائلها العقلية ، وأن يعرفوا مراد الله من وحيه إلى رسله . وأن يحذروا من أن يحيدوا بالأدلة عن مدلولها . وأن يستنتجوا الفروع من غير أصولها .
وأما أهل العلم فهم يضعون الأشياء مواضعها ، ويتوسمون التوسم المستند إلى الهدي ولا يخلطون ولا يخبطون .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { ربي } في الموضعين بفتح الياء . وقرأ الباقون بسكونها .
وقرأ الجمهور { فقدر عليه } بتخفيف الدال . وقرأه ابن عامر وأبو جعفر بتشديد الدال .
وقرأ نافع : { أكرمن } ، و{ أهانن } بياء بعد النون في الوصل وبحذفها في الوقف . وقرأهما ابن كثير بالياء في الوصل والوقف ، وقرأهما ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب بدون ياء في الوصل والوقف . وهو مرسوم في المصحف بدون نون بعد الياءين ولا منافاة بين الرواية واسم المصحف .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر "فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ" يقول : فضيّق عليه رزقه وقَتّره ، فلم يكثر ماله ، ولم يوسع عليه "فَيَقُولُ رَبّي أهانَنِ" يقول : فيقول ذلك الإنسان : ربي أهانني ، يقول : أذلني بالفقر ، ولم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه ، ورزقه من العافية في جسمه ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
والإشكال أن يقول قائل : قول ذلك الإنسان : { ربي أكرمن } و { ربي أهانني } خرج موافقا لما قاله الرب تعالى لأنه قال : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه } فخرج قوله : { ربي أكرمن } على الموافقة لما قال ، وكذا قول هذا الإنسان حين ابتلي بنقيضه { ربي أهانن } خرج موافقا لما قال : { وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه } . فإذا كان الأول إكراما كان الثاني يضاده إهانة . ألا ترى أن الله تعالى سمى المال خيرا والفقر شرا ، وسمى المطيع محسنا والعاصي مسيئا ، فكذا إذا استقام القول بالإكرام عندما ينعم عليه ، ويكرمه ، استقام القول بالإهانة إذا ضيق عليه الرزق ، ولم يكرمه ؟ . فإذا كان هكذا فكيف رد عليه مقالته بقوله : { كلا } وهو في ذلك صادق . ولكن نحن نقول : إن الرد بقوله : { كلا } لم يقع على نفس القول ، ولا انصرف إليه ، وإنما انصرف إلى ما أراده بقوله ؛ لأن القائل بهذا كافر بالله تعالى وباليوم الآخر ، فكأنه يقول : لا بعث ، ولا جزاء . وإنما يجازون بأعمالهم في هذه الدنيا . فمن أحسن أحسن إليه به ، ومن أساء أهين به ، فيكون قوله : { كلا } أي ليس الأمر كما صوره في نفسه ، بل الدنيا دار عمل ، وللجزاء بالكفر والإيمان دار الآخرة . وهذا كقوله : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } [ المنافقون : 1 ] وهم لم يكونوا كاذبين في شهادتهم ومقالتهم ، بل كانوا صادقين أنه رسول الله وأن الله تعالى يعلم أنه رسوله ، ولكنهم كانوا اعتقدوا تكذيبه في قلوبهم ، فكانوا يظهرون خلاف ما أضمروا في أنفسهم . وإلى ما أضمروا انصرف التكذيب لا إلى نفس القول ....{ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه } أي أكرمه في نفسه بأن أصح جسمه ، أو جعله رئيس قومه { ونعمه } أي بسط الدنيا عليه { فيقول ربي أكرمن } فكان يبطر بذلك . وقوله تعالى : { وأما إذا ما ابتلاه } أي إذا اختبره ، فضيق { عليه رزقه فيقول ربي أهانن } فكان يظهر بذلك الجزع . والله تعالى اختبره بالنعم ليستأدي بما أنعم شكره، وابتلاه بضيق العيش ليصبر ، لا ليجزع ؛ فلا شَكَر هذا النعم ، بل بَطَر ، ولا صَبَر هذا على الشدائد ، بل جزع . فجائز أن يكون قوله : { كلا } منصرفا إلى هذا ردا لاعتقادهم وصنيعهم ، وهو أنه يكرم ، ولم ينعم ليبطر به ، ولا ضيق عليه رزقه ليجزع ، بل إنما أنعم ليشكر ، وقدر عليه رزقه ليصبر ، والله أعلم . ...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
يرى الهوان في قلة حظه من الدنيا، وهذا صفة الكافر، فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته، والهوان أن يهينه بمعصيته...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... فإن قلت : كيف سمي كلا الأمرين من بسط الرزق وتقديره ابتلاء ؟ قلت : لأنّ كل واحد منهما اختبار للعبد ، فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر ؟ وإذا قدر عليه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع ؟ فالحكمة فيهما واحدة . ونحوه قوله تعالى : { وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] ،
فإن قلت : هلا قال : فأهانه وقدر عليه رزقه ، كما قال فأكرمه ونعمه ؟ قلت لأن البسط إكرام من الله لعبده بإنعامه عليه متفضلاً من غير سابقة ، وأما التقدير فليس بإهانة له ؛ لأنّ الإخلال بالتفضل لا يكون إهانة ، ولكن تركا للكرامة ، وقد يكون المولى مكرماً لعبده ومهيناً له ، وغير مكرم ولا مهين ؛ وإذا أهدى لك زيد هدية قلت : أكرمني بالهدية ، ولا تقول : أهانني ولا أكرمني إذا لم يهد لك .
فإن قلت : فقد قال : { فَأَكْرَمَهُ } فصحح إكرامه وأثبته ، ثم أنكر قوله : { رَبّي أَكْرَمَنِ } وذمّه عليه ، كما أنكر قوله : { أَهَانَنِ } وذمّه عليه . قلت : فيه جوابان ، أحدهما : أنه إنما أنكر قوله ربي أكرمن وذمّه عليه ، لأنه قال على قصد خلاف ما صححه الله عليه وأثبته ، وهو قصده إلى أنّ الله أعطاه ما أعطاه إكراماً له مستحقاً مستوجباً على عادة افتخارهم وجلالة أقدارهم عندهم ، كقوله : { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِي } [ القصص : 78 ] ، وإنما أعطاه الله على وجه التفضل من غير استيجاب منه له ولا سابقة ما لا يعتدّ الله إلا به ، وهو التقَّوى دون الأنساب والأحساب التي كانوا يفتخرون بها ويرون استحقاق الكرامة من أجلها . والثاني : أن ينساق الإنكار والذمّ إلى قوله : { رَبّى أَهَانَنِ } يعني أنه إذا تفضل عليه بالخير وأكرم به اعترف بتفضل الله وإكرامه ، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك التفضل هواناً، وليس بهوان ، ويعضد هذا الوجه ذكر الإكرام في قوله : { فَأَكْرَمَهُ } ...
لما قال في القسم الأول : { فأكرمه فيقول ربي أكرمن } يجب أن يقول في القسم الثاني : فأهانه، فيقول : { ربي أهانن } لكنه لم يقل ذلك؟
( والجواب ) : لأنه في قوله : { أكرمن } صادق، وفي قوله : { أهانن } غير صادق، فهو ظن قلة الدنيا وتقتيرها إهانة ، وهذا جهل واعتقاد فاسد ، فكيف يحكي الله سبحانه ذلك عنه .
ما معنى قوله : فقدر عليه رزقه ؟
( الجواب ) : ضيق عليه بأن جعله على مقدار البلغة ...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
قلت : الآيتان صفة كل كافر . وكثير من المسلمين يظن أن ما أعطاه اللّه لكرامته وفضيلته عند اللّه ، وربما يقول بجهله : لو لم أستحق هذا لم يعطينه اللّه . وكذا إن قتر عليه يظن أن ذلك لهوانه على اللّه ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان قوله في الأول {فأكرمه ونعمه} كناية عن فوسع عليه، قابله هنا بقوله : { فقدر } أي ضيق تضييق من يعمل الأمر بحساب وتقدير { عليه رزقه } فهو كناية عن الضيق كما أن العطاء بغير حساب كناية عن السعة ، فجعله بمقدار ضرورته الذي لا يعيش عادة بدونه ، ولم يجعله فيه فضلاً عن ذلك ولم يقل " فأهانه " موضع " قدر عليه " تعليماً للأدب معه سبحانه وتعالى، وصوناً لأهل الله عن هذه العبارة، لأن أكثرهم مضيق عليه في دنياه ، ولأن ترك الإكرام لا ينحصر في كونه إهانة { فيقول } أي الإنسان بسبب الضيق : { ربي } أي المربي لي { أهانن } فيهتم لذلك ويضيق به ذرعاً ، ويكون ذلك أكبر همه . ...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
أي أذلني بالفقر، وذلك لسوء فكره وقصور نظره في الحالين فإنه إنما ابتلاه بالغنى ليقوم بواجبه ويعرف حق الله فيه وبالفقر ليظهر بمظهر العفاف ويتخلق بخلق الصبر على الكفاف ففي كل ابتلاء وامتحان ليميز الله الخبيث من الطيب...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويبتليه بالتضييق عليه في الرزق ، فيحسب الابتلاء جزاء كذلك ، ويحسب الاختبار عقوبة ، ويرى في ضيق الرزق مهانة عند الله ، فلو لم يرد مهانته ما ضيق عليه رزقه . . وهو في كلتا الحالتين مخطئ في التصور ومخطئ في التقدير . فبسط الرزق أو قبضه ابتلاء من الله لعبده . ليظهر منه الشكر على النعمة أو البطر . ويظهر منه الصبر على المحنة أو الضجر . والجزاء على ما يظهر منه بعد . وليس ما أعطي من عرض الدنيا أو منع هو الجزاء . . وقيمة العبد عند الله لا تتعلق بما عنده من عرض الدنيا . ورضى الله أو سخطه لا يستدل عليه بالمنح والمنع في هذه الأرض . فهو يعطي الصالح والطالح ، ويمنع الصالح والطالح . ولكن ما وراء هذا وذلك هو الذي عليه المعول . إنه يعطي ليبتلي ويمنع ليبتلي . والمعول عليه هو نتيجة الابتلاء ! ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فالمعنى : أن لشأن الله في معاملته الناس في هذا العالم أسراراً وعِللاً لا يُحاط بها ، وأن أهل الجهالة بمعزل عن إدراك سرها بأقْيسة وهمية ، والاستناد لمألوفات عادية ، وأن الأولى لهم أن يتطلبوا الحقائق من دلائلها العقلية ، وأن يعرفوا مراد الله من وحيه إلى رسله . وأن يحذروا من أن يحيدوا بالأدلة عن مدلولها . وأن يستنتجوا الفروع من غير أصولها . وأما أهل العلم فهم يضعون الأشياء مواضعها ، ويتوسمون التوسم المستند إلى الهدي ولا يخلطون ولا يخبطون . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وتوضح الآيتان بأنّ حالة اليسر في الدنيا ليست دليل قرب اللّه من ذلك الإنسان ، وكذا الحال بالنسبة لحالة العسر فلا تعني بُعد اللّه عن عبده ، وكلّ ما في الأمر أنّ الحالتين صورتان مختلفتان للامتحان الذي قررته الحكمة الإلهية ، ليس إلاّ . وتأتي الآية ( 51 ) من سورة فصّلت في سياق الآيتين : ( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّر فذو دعاء عريض ) . وكذا الآية ( 9 ) من سورة هود : ( ولئن أذقنا الإنسان منّاً رحمة منّا ثمّ نزعناها منه إنّه ليؤس كفور ) . وتنبهنا الآيتان أيضاً ، بأن لا نقع في خطأ التشخيص ، فنحكم على فلان بأن اللّه راض عنه لأنّه يفعم بالنعم الإلهية ، وأن فلانا قد سخط عليه اللّه لأنّه محروم من نعم كثيرة ، ولابدّ لنا من الرجوع إلى المعايير الثابتة عند القيام بعملية التشخيص والتقييم ، فالعلم والإيمان والتقوى هي أسس التقييم ، وليس ظاهر التمتع بحالة السراء . . فما أكثر الأنبياء الذين تناوشتهم أنياب البلايا والمصائب ، وما أكثر الكافرين والطغاة الذين تنعموا بمختلف ملاذ الدنيا ، إنّها من سنن طبيعة الحياة الدنيا ، ولكن . . أين الأنبياء من الكافرين و . . عقبى الدار ؟ ! فالآية إذن ، تشير إلى فلسفة البلاء ، وما يصيب الإنسان من محن وإحن في دنياه . ...