الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ} (16)

" وأما إذا ما ابتلاه " أي امتحنه بالفقر واختبره . " فقدر " أي ضيق " عليه رزقه " على مقدار البُلغة . " فيقول ربي أهانني " أي أولاني هوانا . وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث : وإنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الحظ في الدنيا وقلته . فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه اللّه بطاعته وتوفيقه ، المؤدي إلى حظ الآخرة ، وإن وسع عليه في الدنيا حمده وشكره .

قلت : الآيتان صفة كل كافر . وكثير من المسلمين يظن أن ما أعطاه اللّه لكرامته وفضيلته عند اللّه ، وربما يقول بجهله : لو لم أستحق هذا لم يعطينه اللّه . وكذا إن قتر عليه يظن أن ذلك لهوانه على اللّه . وقراءة العامة " فقدر " مخففة الدال . وقرأ ابن عامر مشددا ، وهما لغتان . والاختيار التخفيف ؛ لقوله : " ومن قدر عليه رزقه{[16053]} " [ الطلاق : 7 ] . قال أبو عمرو : " قدر " أي قتر . و " قدر " مشددا : هو أن يعطيه ما يكفيه ، ولو فعل به ذلك ما قال " ربي أهانن " . وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو " ربي " بفتح الياء في الموضعين . وأسكن الباقون . وأثبت البزي وابن محيصن ويعقوب الياء من " أكرمن " ، و " أهانن " في الحالين ؛ لأنها اسم فلا تحذف . وأثبتها المدنيون في الوصل دون الوقف ، اتباعا للمصحف . وخير أبو عمرو في إثباتها في الوصل أو حذفها ؛ لأنها رأس آية ، وحذفها في الوقف لخط المصحف . الباقون بحذفها ؛ لأنها وقعت في الموضعين بغير ياء ، والسنة ألا يخالف خط المصحف ؛ لأنه إجماع الصحابة .


[16053]:آية 7 سورة الطلاق.