فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ} (16)

{ وَأَمَّا إِذَا مَا ابتلاه } أي اختبره وعامله معاملة من يختبره { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } أي ضيقه ولم يوسعه له ولا بسط له فيه . { فَيَقُولُ رَبّي أَهَانَنِ } أي أولاني هواناً ، وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث ، لأنه لا كرامة عنده إلاّ الدنيا والتوسع في متاعها ، ولا إهانة عنده إلاّ فوتها وعدم وصوله إلى ما يريد من زينتها ، فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته ويوفقه لعمل الآخرة ، ويحتمل أن يراد الإنسان على العموم لعدم تيقظه أن ما صار إليه من الخير وما أصيب به من الشرّ في الدنيا ليس إلاّ للاختبار والامتحان ، وأن الدنيا بأسرها لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء . قرأ نافع بإثبات الياء في { أَكْرَمَن } و { أَهَانَن } وصلاً وحذفهما وقفاً ، وقرأ ابن كثير في رواية البزي عنه وابن محيصن ويعقوب بإثباتهما وصلاً ووقفاً ، وقرأ الباقون بحذفهما في الوصل والوقف اتباعاً لرسم المصحف ولموافقة رؤوس الآي ، والأصل إثباتها لأنها اسم ، ومن الحذف قول الشاعر :

ومن كاشح ظاهر غمره *** إذا ما انتصبت له أنكرن

أي أنكرني . وقرأ الجمهور { فَقَدَرَ } بالتخفيف ، وقرأ ابن عامر بالتشديد ، وهما لغتان . وقرأ الحرميان وأبو عمرو : { رَبِّي } بفتح الياء في الموضعين وأسكنها الباقون .