قوله تعالى : { قال هي راودتني عن نفسي } ، يعني : طلبت مني الفاحشة فأبيت وفررت . قيل : ما كان يريد يوسف أن يذكره ، فلما قالت المرأة : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ؟ ذكره ، فقال : هي راودتني عن نفسي . { وشهد شاهد } ، وحكم حاكم ، { من أهلها } ، اختلفوا في ذلك الشاهد : فقال سعيد بن جبير ، والضحاك : كان صبيا في المهد ، أنطقه الله عز وجل ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطه ابنة فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم عليه السلام " . وقيل : كان ذلك الصبي ابن خال المرأة . وقال الحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد : لم يكن صبيا ولكنه رجلا حكيما ذا رأي قال السدي : هو ابن عم راعيل ، فحكم فقال : { إن كان قميصه قد من قبل } .
فبرأ نفسه مما رمته به ، وقال : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي } فحينئذ احتملت الحال صدق كل واحد منهما ولم يعلم أيهما .
ولكن الله تعالى جعل للحق والصدق علامات وأمارات تدل عليه ، قد يعلمها العباد وقد لا يعلمونها ، فمنَّ الله في هذه القضية بمعرفة الصادق منهما ، تبرئة لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام ، فانبعث شاهد من أهل بيتها ، يشهد بقرينة من وجدت معه ، فهو الصادق ، فقال : { إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها ، المراود لها المعالج ، وأنها أرادت أن تدفعه عنها ، فشقت قميصه من هذا الجانب .
ويجهر يوسف بالحقيقة في وجه الاتهام الباطل :
( قال : هي راودتني عن نفسي ) !
وهنا يذكر السياق أن أحدا أهلها حسم بشهادته في هذا النزاع :
( وشهد شاهد من أهلها . إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ؛ وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ) . .
فأين ومتى أدلى هذا الشاهد بشهادته هذه ؟ هل كان مع زوجها [ سيدها بتعبير أهل مصر ] وشهد الواقعة ؟ أم أن زوجها استدعاه وعرض عليه الأمر ، كما يقع في مثل هذه الأحوال ان يستدعي الرجل كبيرا من أسرة المرأة ويطلعه على ما رأى ، وبخاصة تلك الطبقة الباردة الدم المائعة القيم !
هذا وذلك جائز . وهو لا يغير من الأمر شيئا . وقد سمي قوله هذا شهادة ، لأنه لما سئل رأيه في الموقف والنزاع المعروض من الجانبين - ولكل منها ومن يوسف قول - سميت فتواه هذه شهادة ، لأنها تساعد على تحقيق النزاع والوصول إلى الحق فيه .
فإن كان قميصه قد من قبل فذلك إذن من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب .
جملة { قال هي راودتني عن نفسي } من قول يوسف عليه السّلام ، وفصلت لأنها جاءت على طريقة المحاورة مع كلامها . ومخالفة التعبير بين { أن يسجن أو عذابٌ } دون أن يقول : إلا السجنُ أو عذاب ، لأن لفظ السجن يطلق على البيت الذي يوضع فيه المسجون ويطلق على مصدر سجن ، فقوله : { أن يسجن } أوضح في تسلط معنى الفعل عليه .
وتقديم المبتدأ على خبره الذي هو فعل يفيد القصر ، وهو قصر قلب للرد عليها . وكان مع العزيز رجل من أهل امرأته ، وهو الذي شهد وكان فطناً عارفاً بوجوه الدلالة .
وسمي قوله شهادة لأنه يؤول إلى إظهار الحق في إثبات اعتداء يوسف عليه السّلام على سيدته أو دحضه . وهذا من القضاء بالقرينة البينة لأنها لو كانت أمسكت ثوبه لأجل القبض عليه لعقابه لكان ذلك في حال استقباله له إياها فإذا أراد الانفلات منها تخرق قميصه من قُبُل ، وبالعكس إن كان إمساكه في حال فرار وإعراض . ولا شك أن الاستدلال بكيفية تمزيق القميص نشأ عن ذكر امرأة العزيز وقوع تمزيق القميص تحاول أن تجعله حجة على أنها أمسكته لتعاقبه ، ولولا ذلك ما خطر ببال الشاهد أن تمزيقاً وقع وإلا فمن أين علم الشاهد تمزيق القميص . والظاهر أن الشاهد كان يظن صدقها فأراد أن يقيم دليلاً على صدقها فوقع عكس ذلك كرامة ليوسف عليه السّلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.