وقوله : { خافضة رافعة } رفع على خبر ابتداء ، أي هي { خافضة رافعة } .
وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وأبو حيوة : «خافضةً رافعةً » بالنصب على الحال بعد الحال التي هي { لوقعتها كاذبة } ولك أن تتابع الأحوال . كما لك أن تتابع أخبار المبتدأ ، والقراءة الأولى أشهر وأبرع معنى ، وذلك أن موقع الحال من الكلام موقع ما لم يذكر لاستغني عنه وموقع الجمل التي يجزم بها موقع ما يتهمم به{[10875]} .
واختلف الناس في معنى هذا الخفض والرفع في هذه الآية ، فقال قتادة وعثمان بن عبد الله بن سراقة : القيامة تخفض أقواماً إلى النار ، وترفع أقواماً إلى النار ، وترفع أقواماً إلى الجنة . وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الصيحة تخفض قوتها لتسمع الأدنى وترفعها لتسمع الأقصى . وقال جمهور من المتأولين : القيامة بتفطر السماء والأرض والجبال انهدام هذه البنية ، ترفع طائفة من الأجرام وتخفض أخرى ، فكأنها عبارة عن شدة الهول والاضطراب .
خبرانِ لمبتدأ محذوف ضمير { الواقعة } [ الواقعة : 1 ] ، أي هي خافضة رافعة ، أي يحصل عندها خفض أقوامٍ كانوا مرتفعين ورَفْع أقوام كانوا منخفضين وذلك بخفض الجبابرة والمفسدين الذين كانوا في الدنيا في رفعة وسيادة ، وبرفع الصالحين الذين كانوا في الدنيا لا يعبأون بأكثرهم ، وهي أيضاً خافضة جهات كانت مرتفعة كالجبال والصوامع ، رافعة ما كان منخفضاً بسبب الانقلاب بالرجّات الأرضية .
وإسناد الخفض والرفع إلى الواقعة مجاز عقلي إذ هي وقت ظهور ذلك . وفي قوله : { خافضة رافعة } محسن الطباق مع الإِغراب بثبوت الضدّين لشيء واحد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{خافضة} يقول: أسمعت القريب، ثم قال: {رافعة} آية يقول: أسمعت البعيد، فكانت صيحة، يعني فصارت صيحة واحدة، أسمعت القريب والبعيد. قال أبو محمد: قال الفراء عن الكلبي: {خافضة} قوما إلى النار، و {رافعة} قوما إلى الجنة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"خافِضَةٌ رَافِعَةٌ "يقول تعالى ذكره: الواقعة حينئذٍ خافضة، أقواما كانوا في الدنيا، أعزّاء إلى نار الله.
وقوله: "رَافِعَةٌ" يقول: رفعت أقواما كانوا في الدنيا وُضَعاء إلى رحمة الله وجنته. وقيل: خفضت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... {خافضة} لمن تكبر، وتعظم على الخلق، رادّة إياه و {رافعة} لمن تواضع للخلق، وانقاد له، وقبله. وقيل: {خافضة} لأهل النار في النار كقوله تعالى: {يوم يسحبون في النار} [القمر: 48] و {رافعة} لأهل الجنة كقوله تعالى: {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} [القمر: 55].
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
خفضت قوماً بالعدل ورفعت قوماً بالفضل.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} فيه ثلاثة أقاويل:...
رابعاً: أنها خفضت بالنفخة الأولى من أماتت، ورفعت بالنفخة الثانية من أحيت.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ترفع أقواماً وتضع آخرين: إما وصفاً لها بالشدّة؛ لأنّ الواقعات العظام كذلك، يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس، وإما لأنّ الأشقياء يحطون إلى الدركات، والسعداء يرفعون إلى الدرجات؛ وإما أنها تزلزل الأشياء وتزيلها عن مقارّها، فتخفض بعضاً وترفع بعضاً: حيث تسقط السماء كسفاً وتنتثر الكواكب وتنكدر وتسير الجبال فتمرّ في الجوّ مرّ السحاب
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يكن منه الفعل، يقولون: ليل نائم ونهار صائم. وفي التنزيل: "بل مكر الليل والنهار " [سبأ: 33] والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو الله وحده.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
وقرر عظمتها وحقق بعث الأمور فيها بقوله مخبراً عن مبتدأ محذوف: {خافضة} أي هي لمن يشاء الله خفضه من عظماء أهل النار وغيرهم مما يشاؤه من الجبال وغيرها إلى أسفل سافلين {رافعة} أي لضعفاء أهل الجنة وغيرهم من منازلهم وغيرها مما يشاؤه إلى عليين، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.