المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

13 - هؤلاء المقربون جماعة كثيرة من الأمم السابقة وأنبيائهم ، وقليل من أمة محمد بالنسبة إليهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

قوله تعالى : { وقليل من الآخرين } يعني من هذه الأمة ، قال الزجاج : الذين عاينوا جميع النبيين من لدن آدم عليه الصلاة والسلام وصدقوهم ، أكثر ممن عاين الرسول الله صلى الله عليه وسلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

{ 14 } { وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ }

وهذا يدل على فضل صدر هذه الأمة في الجملة على متأخريها ، لكون المقربين من الأولين أكثر من المتأخرين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

ومن ثم يقف عند هذه الدرجة ليقول من هم أصحابها . . إنهم : ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) . . فهم عدد محدود . وفريق منتقى . كثرتهم في الأولين وقلتهم في الآخرين . واختلفت الروايات في من هم الأولون ومن هم الآخرون . فالقول الأول : إن الأولين هم السابقون إلى الإيمان ذوو الدرجة العالية فيه من الأمم السابقة قبل الإسلام . وإن الآخرين هم السابقون إلى الإسلام ذوو البلاء فيه . . والقول الثاني : إن الأولين والآخرين هم من أمة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] فالأولون من صدرها ، والآخرون من متأخريها . وهذا القول الثاني رجحه ابن كثير . وروى في ترجيحه للحسن وابن سيرين : قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد ابن الصباح ، حدثنا عفان ، حدثنا عبدالله بن أبي بكر المزني ، سمعت الحسن أتى على هذه الآية : ( والسابقون السابقون أولئك المقربون )فقال : " أما السابقون فقد مضوا ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين " . . ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا السري بن يحيى . قال : قرأ الحسن : ( والسابقون السابقون . أولئك المقربون في جنات النعيم . ثلة من الأولين ) . . قال : " ثلة ممن مضى من هذه الأمة " . . وحدثنا أبي ، حدثنا عبدالعزيز بن المغيرة المنقري ، حدثنا أبو هلال ، عن محمد بن سيرين ، أنه قال في هذه الآية : ( ثلة من الأولين ، وقليل من الآخرين ) . . قال : كانوا يقولون ، أو يرجون ، أن يكونوا كلهم من هذه الأمة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

وقليل من الآخرين يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يخالف ذلك قوله صلى الله عليه وسلم إن أمتي يكثرون سائر الأمم لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة وتابعو هذه أكثر من تابعيهم ولا يرده قوله في أصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين لأن كثرة الفريقين لا تنافي أكثرية أحدهما وروي مرفوعا أنهما من هذه الأمة واشتقاقها من الثل وهو القطع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

اعتراض بين جملة { في جنات النعيم } [ الواقعة : 12 ] وجملة على { سرر موضونة } [ الواقعة : 15 ] .

و{ ثلة } خبر عن مبتدأ محذوف ، تقديره : هم ثلة ، ومعاد الضمير المقدر « السابقون » ، أي السابقون ثلة من الأولين وقليل من الآخرين .

وهذا الاعتراض يقصد منه التنويه بصنف السابقين وتفضيلهم بطريق الكناية عن ذلك بلفظي { ثلة } و { قليل } المشعرَيْن بأنهم قُلٌّ من كثر ، فيستلزم ذلك أنهم صنف عزيز نفيس لما عهد في العرف من قلة الأشياء النفيسة وكقول السموأل وقيل غيرِه :

تعيرنا أنّا قليل عديدنا *** فقلت لها : إن الكرام قليل

مع بشارة المسلمين بأن حظهم في هذا الصنف كحظ المؤمنين السالفين أصحاب الرسل لأن المسلمين كانوا قد سمعوا في القرآن وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تنويهاً بثبات المؤمنين السالفين مع الرسل ومجاهدتهم فربما خامر نفوسهم أن تلك صفة لا تُنال بعدهم فبشرهم الله بأن لهم حظاً منها مثل قوله تعالى : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتهم على أعقابكم } إلى قوله : { وكأين من نبي قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } [ آل عمران : 144 146 ] وغيرها ، تلهيباً للمسلمين وإذكاء لهممهم في الأخذ بما يُلحقهم بأمثال السابقين من الأولين فيستكثروا من تلك الأعمال . وفي الحديث : " لقَد كان من قبلكم يوضع المِئْشار على أحدهم فينشر إلى عظمه لا يصده ذلك عن دينه " . والثُلَّة : بضم الثاء لا غير : اسم للجماعة من الناس مطلقاً قليلاً كانوا أو كثيراً ، وهذا هو قول الفراء وأهل اللغة والراغب وصاحب « لسان العرب » وصاحب « القاموس » والزمخشري في « الأساس » ، وقال الزمخشري في « الكشاف » إن الثلة : الأمة الكثيرة من الناس ومحمله على أنه أراد به تفسير معناها في هذه الآية لا تفسير الكلمة في اللغة .

ولما في هذا الاعتراض من الإِشعار بالعزة قدم على ذكر ما لهم من النعيم للإِشارة إلى عظيم كيفيته المناسبةِ لوصفهم ب ( السابقين ) بخلاف ما يأتي في أصحاب اليمين .

ومعنى : { الأولين } قوم متقدمون على غيرهم في الزمان لأن الأول هو الذي تقدم في صفة مَّا كالوجود أو الأحوال على غير الذي هو الآخِر أو الثاني ، فالأوّلية أمر نسبي يبيّنه سياق الكلام حيثما وقع .

فالظاهر أن { الأولين } هنا مراد بهم الأمم السابقة قبل الإسلام بناء على ما تقدم من أن الخطاب في قوله : { وكنتم أزواجاً ثلاثة } [ الواقعة : 7 ] خطاب لجميع الناس بعنوان أنهم ناس لأن المنقرضين الذين يتقدمون من أمة أو قبيلة أو أهل نحلة يُدعون بالأوليين كما قال الفرزدق :

ومهلهل الشعراء ذاك الأوّل

وقال تعالى : { أو آباؤنا الأوّلون } [ الواقعة : 48 ] الذين هم يخلفونهم ويكونون موجودين ، أو في تقدير الموجودين يُدعون الآخرين .

وقد وُصف أهل الإسلام بالآخرين في حديث فضل الجمعة " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بَيد أنهم أُوتوا الكتاب مِن قبلنا " الحديث . وإذ قد وُصف السابقون بما دل على أنهم أهل السبق إلى الخير ووصفت حالهم في القيامة عَقِبَ ذلك فقد عُلم أنهم أفضل الصالحين من أصحاب الأديان الإِلهية ابتداء من عصر آدم إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وهم الذين جاء فيهم قوله تعالى : { مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } [ النساء : 69 ] .

فلا جرم أن المراد ب { الأولين } الأممُ الأولى كلها ، وكان معظم تلك الأمم أهل عناد وكفر ولم يكن المؤمنون فيهم إلا قليلاً كما تنبىء به آيات كثيرة من القرآن .

ووصف المؤمنون من بعض الأمم عند أقوامهم بالمستضعفين ، وبالأرذلين ، وبالأقلين .

ولا جرم أن المراد بالآخرين الأمة الأخيرة وهم المسلمون .

فالسابقون طائفتان طائفة من الأمم الماضين ومجموع عددها في ماضي القرون كثير مثل أصحاب موسى عليه السلام الذين رافقوه في التيه ، ومثل أصحاب أنبياء بني إسرائيل ، ومثل الحواريين ، وطائفة قليلة من الأمة الإسلامية وهم الذين أسرعوا للدخول في الإسلام وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } [ التوبة : 100 ] ، وإذ قد كانت هذه الآية نزلت قبل الهجرة فهي لا يتحقق مفادها إلا في المسلمين الذين بمكة .

و { مِن } تبعيضية كما هو بيّن ، فاقتضى أن السابقين في الأزمنة الماضية وزمان الإسلام حاضِره ومستقبله بعض من كلًّ ، والبعضية تقتضي القلة النسبية ولفظ { ثلة } مشعر بذلك ولفظ { قليل } صريح فيه .

وإنما قوبل لفظ { ثلة } بلفظ { قليل } للإِشارة إلى أن الثلة أكثر منه . وعن الحسن أنه قال : سابقو من مضى أكثر من سابقينا .

وروي عن أبي هريرة " أنه لما نزلت : { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين } شقّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحزنوا وقالوا : إذن لا يكون من أمة محمد إلا قليل ، فنزلت نصف النهار { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } [ الواقعة : 39 ، 40 ] فنسخت : { وقليل من الآخرين } " {[1]} . وهذا الحديث مشكل ومجمل فإن هنا قسمين مشتبهين ، والآية التي فيها { وثلّة من الآخرين } [ الواقعة : 40 ] ليست واردة في شأن السابقين فليس في الحديث دليل على أن عدد أهل مرتبة السابقين في الأمم الماضية مساوٍ لعدد أهل تلك المرتبة في المسلمين ، وأن قول أبي هريرة : « فنَسخت { وقليل من الآخرين } » يريد نسخت هذه الكلمة . فمراده أنها أبطلت أن يكون التفوق مطرداً في عدد الصالحين فبقي التفوق في العدد خاصاً بالسابقين من الفريقين دون الصالحين الذين هم أصحاب اليمين ، والمتقدمون يطلقون النسخ على ما يشمل البيان فإنه مورد آية : { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } [ الواقعة : 39 ، 40 ] في شأن صنف أصحاب اليمين ومورد الآية التي فيها : { وقليل من الآخرين } هو صنف السابقين فلا يتصور معنى النسخ بالمعنى الاصطلاحي مع تغاير مورد الناسخ والمنسوخ ولكنه أريد به البيان وهو بيان بالمعنى الأعم .


[1]:محمد بن علي البصري الشافعي المعتزلي المتوفى سنة 439هـ له كتاب "المعتمد في أصول الفقه".