تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

صفة نعيم السابقين

{ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ( 13 ) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ( 14 ) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ( 15 ) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ( 16 ) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ( 17 ) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ( 18 ) لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْزِفُونَ ( 19 ) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ( 20 ) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ( 21 ) وَحُورٌ عِينٌ ( 22 ) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ( 23 ) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 24 ) لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا ( 25 ) إِلَّا قِيلاً سَلامًا سَلامًا ( 26 ) }

13

المفردات :

ثلة : الثلة الجماعة قلت أو كثرت ، وقال الزمخشري : هم أمة من الناس كثيرة .

الأولين : الأمم الماضية قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الأولين من صدر أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

الآخرين : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو المتأخرين منهم .

التفسير :

13 ، 14- { ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ } .

إن السابقين المقربين إلى الله هم جماعة كثيرة من السابقين من الأمم ، من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، الذين اتبعوا أنبياءهم واقتربوا منهم ، وجاهدوا في سبيل تبليغ دعوتهم ، أو الأنبياء ومن سارع إلى تصديقهم والجهاد معهم .

{ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ } .

أي : المؤمنون السابقون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قليل بالنسبة لمن سبق من الأمم ، وذلك لكثرة الأمم التي سبقت أمة الإسلام .

قال تعالى : { وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح . . . } ( الإسراء : 17 ) .

لقد أرسلنا عددا كبيرا من الرسل من بعد نوح ، منهم من قصصنا عليك يا محمد ، ومنهم من لم نقصص عليك .

وقد رجح الإمام ابن جرير الطبري هذا الرأي ، ولكن الإمام ابن كثير رأى أن هذا الرأي ضعيف .

ثم قال ابن كثير :

لأن هذه الأمة الإسلامية هي خير الأمم بنص القرآن ، فالقول الراجح أن يكون المراد بقوله تعالى : { ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ } . أي : من صدر الأمة الإسلامية ، والمراد بقوله تعالى : وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ . أي : من هذه الأمة .

روي عن الحسن أنه قرأ هذه الآية : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } .

فقال : أما السابقون فقد مضوا ، ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين .

وعن محمد بن سيرين أنه قال في هذه الآية : { ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ } . قال : كانوا يقولون أو يرجون أن يكونوا كلهم من هذه الأمة ، فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأمةix .

وقد ثبت في الصحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " x . ( أخرجه الشيخان ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة " . وفي لفظ " حتى يأتي أمر الله تعالى وهم كذلك " xi .

ورأى بعض المفسرين أن أول كل أمة خير من آخرها ، فيحتمل أن تعم الآية جميع الأمم ، كل أمة بحسبها .

وجاء في حاشية الجمل :

وعبارة الخازن : وذلك لأن الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدّقوهم من الأمم الماضية ، أكثر من الذين عاينوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به . أ . ه .