المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

الثلة : الجماعة والفرقة ، وهو يقع للقليل والكثير ، واللفظ في هذا الموضوع يعطي أن الجملة { من الأولين } أكثر من الجملة { من الآخرين } ، وهي التي عبر عنها بالقليل .

واختلف المتأولون في معنى ذلك ، فقال قوم حكى قولهم مكي : المراد بذلك الأنبياء ، لأنهم كانوا في صدر الدنيا أكثر عدداً ، وقال الحسن بن أبي الحسن وغيره : المراد السابقون من الأمم والسابقون من الأمة ، وذلك إما أن يقترن أصحاب الأنبياء بجموعهم إلى أصحاب محمد فأولئك أكثر لا محالة ، وإما أن يقترن أصحاب الأنبياء ومن سبق في أثناء الأمم إلى السابقين من جميع هذه الأمة فأولئك أكثر . وروي أن الصحابة حزنوا لقلة سابق هذه الأمة على هذا التأويل فنزلت : { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } [ الواقعة : 39-40 ] فرضوا{[10886]} . وروي عن عائشة أنها تأولت أن الفرقتين في أمة كل نبي وهي في الصدر { ثلة } وفي آخر الأمة { قليل } « . وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه : » الفرقتان في أمتي فسابق أول الأمة { ثلة } وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل ){[10887]} .


[10886]:أخرجه أحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن أبي هريرة، وفي آخره:(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم الشطر الثاني)، وأخرج ابن مردويه، وابن عساكر، عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت{إذا وقعت الواقعة} ذكر فيها{ثلة من الأولين وقليل من الآخرين}، قال عمر:يا رسول الله: ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر تعال فاستمع ما قد أنزل الله:{ثلة من الأولين وثلة من الآخرين}، ألا وإن آدم إليّ ثلة وأمتي ثلة، ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة الإبل ممن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عروة ابن رويم مرسلا. ورواه الحافظ ابن عساكر عن جابر.
[10887]:رواه سفيان عن أبان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ(الثلتان جميعا من أمتي).