الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

وقوله عز وجل : { وَقَلِيلٌ مِّنَ الأخرين ( 14 ) } كفى به دليلاً على الكثرة ، وهي من الثل وهو الكسر ، كما أنّ الأمّة من الأمّ وهو الشج ، كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم . والمعنى : أنّ السابقين من الأوّلين كثير ، وهم الأمم من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم { وَقَلِيلٌ مِّنَ الأخرين ( 14 ) } وهم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : { مِّنَ الأولين } من متقدّمي هذه الأمة ، و { مِّنَ الأخرين } من متأخريها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " الثلتان جميعاً من أمّتي "

فإن قلت : كيف قال : { وقليل من الآخرين } ، ثم قال : { وَثُلَّةٌ مّنَ الأخرين ( 40 ) } ؟ قلت : هذا في السابقين وذلك في أصحاب اليمين ؛ وأنهم يتكاثرون من الأولين والآخرين جميعاً .

فإن قلت : فقد روى أنها لما نزلت شق ذلك على المسلمين ، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجع ربه حتى نزلت { ثَلة من الأولين وثلة من الأخرين } [ الواقعة : 39 - 40 ] . قلت : هذا لا يصح لأمرين ، أحدهما : أنّ هذه الآية واردة في السابقين وروداً ظاهراً ، وكذلك الثانية في أصحاب اليمين . ألا ترى كيف عطف أصحاب اليمين ووعدهم ، على السابقين ووعدهم ، والثاني : أنّ النسخ في الأخبار غير جائز وعن الحسن رضي الله عنه : سابقو الأمم أكثر من سابقي أمّتنا ، وتابعو الأمم مثل تابعي هذه الأمّة . وثلة : خبر مبتدإ محذوف ، أي : هم ثلة .