فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ} (14)

{ وقليل من الآخرين } أي من هذه الأمة وسموا قليلا بالنسبة إلى من كان قبلهم ، وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم ، وكثرة من أجابهم قال الحسن : سابقو من مضى أكثر من سابقينا ، قال الزجاج : الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوا بهم أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يخالف هذا ما ثبت في الصحيح .

" من قوله صلى الله عليه وسلم ، إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، ثم قال : ثلث أهل الجنة ، ثم قال : نصف أهل الجنة " {[1562]} ، لأن قوله { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين } إنما هو تفصيل للسابقين فقط كما سيأتي في ذكر أصحاب اليمين أنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمة ومن ثلة أصحاب اليمين منها من يكون نصف أهل الجنة .

والمقابلة بين الثلتين في أصحاب اليمين لا تستلزم استواءها ، لجواز أن يقال : هذه الثلة أكثر من هذه الثلة . كما يقال ؛ هذه الجماعة أكثر من هذه الجماعة وهذه الفرقة أكثر من هذه الفرقة وهذه القطعة أكثر من هذه القطعة وبهذا تعرف أنه لم يصب من قال : إن هذه الآية منسوخة بالحديث المذكور " عن أبي هريرة قال : لما نزلت { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين } شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، ثلث أهل الجنة ، بل أنتم نصف أهل الجنة ، أو شطر أهل الجنة ، وتقاسمونهم النصف الثاني " أخرجه أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه .


[1562]:رواه مسلم.