{ إِنَّ هَذَا } الذي ذكره الله تعالى ، من جزاء العباد بأعمالهم ، خيرها وشرها ، وتفاصيل ذلك { لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ } أي : الذي لا شك فيه ولا مرية ، بل هو الحق الثابت الذي لا بد من وقوعه ، وقد أشهد الله عباده الأدلة القواطع على ذلك ، حتى صار عند أولي الألباب كأنهم ذائقون له مشاهدون له{[978]} فحمدوا الله تعالى على ما خصهم به من هذه النعمة العظيمة ، والمنحة الجسيمة .
ولما كمل تقسيم أحوالهم وانقضى الخبر بذلك ، أكد تعالى الاخبار بأن قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مخاطبة تدخل معه أمته فيها ، إن هذا الذي أخبرنا به { لهو حق اليقين } . وإضافة الحق إلى { اليقين } عبارة فيها مبالغة ، لأنهما بمعنى واحد ، فذهب بعض الناس إلى أنه من باب دار الآخرة ومسجد الجامع ، وذهبت فرقة من الحذاق إلى أنه كما تقول في أمر تؤكده : هذا يقين اليقين أو صواب الصواب ، بمعنى أنه نهاية الصواب ، وهذا أحسن ما قيل فيه ، وذلك لأن دار الآخرة وما أشبهها يحتمل أن تقدر شيئاً أضفت الدار إليه وصفته بالآخرة ثم حذفت واقمت الصفة مقامه ، كأنك قلت : دار الرجعة أو النشأة أو الخلقة ، وهنا لا يتجه هذا ، وإنما هي عبارة مبالغة وتأكيد معناه أن هذا الخبر هو نفس اليقين وحقيقته{[10945]} .
تذييل لجميع ما اشتملت عليه السورة من المعاني المثبتة .
والإِشارة إلى ذلك بتأويل المذكور من تحقيق حق وإبطال باطل .
والحق : الثابت . و { اليقين } : المعلوم جزماً الذي لا يقبل التشكيك .
وإضافة { حق } إلى { اليقين } من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي لهو اليقين الحق . وذلك أن الشيء إذا كان كاملاً في نوعه وصُف بأنه حقّ ذلك الجنس ، كما في الحديث : « لأبعثن مَعكم أميناً حقَّ أمين » . فالمعنى : أن الذي قصصنا عليك في هذه السورة هو اليقين حقُّ اليقين ، كما يقال : زيد العالم حقُ عالم . ومآل هذا الوصف إلى توكيد اليقين ، فهو بمنزلة ذكر مرادف الشيء وإضافة المترادفين تفيد معنى التوكيد ، فلذلك فسروه بمعنى : أن هذا يقينُ اليقين وصوابُ الصواب . نريد : أنه نهاية الصواب . قال ابن عطية : وهذا أحسن ما قيل فيه .
ويجوز أن تكون الإِضافة بيانية على معنى ( مِن ) ، وحقيقته على معنى اللام بتقدير : لهو حق الأمر اليقين ، وسيجيء نظير هذا التركيب في سورة الحاقة . وسأبين هنالك ما يزيد على ما ذكرته هنا فانظره هنالك .
وقد اشتمل هذا التذييل على أربعة مؤكدات وهي : ( إن ) ، ولام الابتداء ، وضمير الفصل ، وإضافة شبه المترادفين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن هذا} الذي ذكر للمقربين وأصحاب اليمين، وللمكذبين الضالين {لهو حق اليقين} لا شك...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أخبرتكم به أيها الناس من الخبر عن المقرّبين وأصحاب اليمين، وعن المكذّبين الضآلين، وما إليه صائرة أمورهم" لَهُوَ حَقّ اليَقِينِ "يقول: لهو الحقّ من الخبر اليقين لا شكّ فيه... عن قتادة:... إن الله تعالى ليس تاركا أحدا من خلقه حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن. فأما المؤمن فأيقن في الدنيا، فنفعه ذلك يوم القيامة. وأما الكافر، فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِنَّ هذا} الذي أنزل في هذه السورة {لَهُوَ حَقُّ اليقين} أي الحق الثابت من اليقين.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ولما كمل تقسيم أحوالهم وانقضى الخبر بذلك، أكد تعالى الاخبار بأن قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مخاطبة تدخل معه أمته فيها، إن هذا الذي أخبرنا به {لهو حق اليقين}. وإضافة الحق إلى {اليقين} عبارة فيها مبالغة، لأنهما بمعنى واحد، فذهب بعض الناس إلى أنه من باب دار الآخرة ومسجد الجامع، وذهبت فرقة من الحذاق إلى أنه كما تقول في أمر تؤكده: هذا يقين اليقين أو صواب الصواب، بمعنى أنه نهاية الصواب، وهذا أحسن ما قيل فيه، وذلك لأن دار الآخرة وما أشبهها يحتمل أن تقدر شيئاً أضفت الدار إليه وصفته بالآخرة ثم حذفت واقمت الصفة مقامه، كأنك قلت: دار الرجعة أو النشأة أو الخلقة، وهنا لا يتجه هذا، وإنما هي عبارة مبالغة وتأكيد معناه أن هذا الخبر هو نفس اليقين وحقيقته.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تذييل لجميع ما اشتملت عليه السورة من المعاني المثبتة.
والإِشارة إلى ذلك بتأويل المذكور من تحقيق حق وإبطال باطل.
والحق: الثابت. و {اليقين}: المعلوم جزماً الذي لا يقبل التشكيك.
وإضافة {حق} إلى {اليقين} من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي لهو اليقين الحق. وذلك أن الشيء إذا كان كاملاً في نوعه وصُف بأنه حقّ ذلك الجنس، كما في الحديث: « لأبعثن مَعكم أميناً حقَّ أمين».