وفي الآية التالية يقرر أن هؤلاء هم أصحاب النار ، ويشير للمؤمنين ليسلكوا طريقا غير طريقهم وهم أصحاب الجنة . وطريق أصحاب الجنة غير طريق أصحاب النار :
( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة . أصحاب الجنة هم الفائزون ) . .
لا يستويان طبيعة وحالا ، ولا طريقا ولا سلوكا ، ولا وجهة ولا مصيرا . فهما على مفرق طريقين لا يلتقيان أبدا في طريق . ولا يلتقيان أبدا في سمة . ولا يلتقيان أبدا في خطة . ولا يلتقيان أبدا في سياسة . ولا يلتقيان أبدا في صف واحد في دنيا ولا آخرة . .
( أصحاب الجنة هم الفائزون ) . . يثبت مصيرهم ويدع مصير أصحاب النار مسكوتا عنه . معروفا . وكأنه ضائع لا يعنى به التعبير !
وقوله : { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ } أي{[28616]} لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله يوم القيامة ، كما قال : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الجاثية : 21 ] ، وقال { وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ } الآية[ غافر : 58 ] . قال : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ ص : 28 ] ؟ في آيات أخر دالات على أن الله ، سبحانه ، يكرم الأبرار ، ويهين الفجار ؛ ولهذا قال هاهنا : { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } أي : الناجون المسلمون من عذاب الله ، عز وجل .
تذييل لجملة { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ } [ الحشر : 18 ] الخ . لأنّه جامع لخلاصة عاقبة الحالين : حال التقوى والاستعداد للآخرة ، وحال نسيان ذلك وإهماله ، ولكلا الفريقين عاقبة عمله . ويشمل الفريقين وأمثالهم .
والجملة أيضاً فذلكة لما قبلها من حال المتقين والذين نَسُوا الله ونُسُّوا أنفسهم لأن ذكر مثل هذا الكلام بعد ذكر أحوال المتحدَّث عنه يكون في الغالب للتعريض بذلك المتحدَّث عنه كقولك عندما ترى أحداً يؤذي الناس : « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده » ، فمعنى الآية كناية عن كون المؤمنين هم أصحاب الجنة ، وكون الذين نَسُوا الله هم أهل النار فتضمنت الآية وعداً للمتقين ووعيداً للفاسقين .
والمراد من نفي الاستواء في مثل هذا الكناية عن البون بين الشيئين .
وتعيين المفضل من الشيئين موكول إلى فهم السامع من قرينة المقام كما في قول السموأل :
وقول أبي حزام غالب بن الحارث العكلي :
وأعلم أن تسليماً وتركاً *** للاَ متشابهان ولا سواء
ومنه قوله تعالى : { ليسوا سواء } بعد قوله : { ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم } [ آل عمران : 110 ] الآية . وقَبل قوله : { من أهل الكتاب أمة قائمة } [ آل عمران : 113 ] . وقد يردف بما يدل على جهة التفضيل كما في قوله تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا } [ الحديد : 10 ] . وقوله هنا { أصحاب الجنة هم الفائزون } ، وتقدم في قوله تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } الآية ( 95 ) في سورة النساء .
وأما من ذهب من علماء الأصول إلى تعميم نحو لا يستوون من قوله تعالى : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } [ السجدة : 18 ] فاستدلُّوا به على أن الفاسق لا يلِي ولاية النكاح ، وهو استدلال الشافعية فليس ذلك بمرضي ، وقد أباه الحنفية ووافقهم تاج الدين السبكي في غير « جمع الجوامع » .
والقصر المستفاد من ضمير الفصل في قوله تعالى : { أصحاب الجنة هم الفائزون } قصر ادعائي لأن فوزهم أبدِيّ فاعتبر فوز غيرهم ببعض أمور الدنيا كالعدم .