إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لَا يَسۡتَوِيٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۚ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

{ لاَ يَسْتَوِي أصحاب النار } الذينَ نسُوا الله تعالَى فاستحقُّوا الخلودَ في النارِ . { وأصحاب الجنة } الذينَ اتَقوا الله فاستحقُّوا الخلودَ في الجنة ، ولعلَّ تقديمَ أصحابِ النارِ في الذكرِ للإيذانِ من أولِ الأمرِ بأنَّ القصورَ الذي ينبئُ عنه عدمُ الاستواءِ من جهتِهِم لا من جهةِ مقابلِيهِم فإن مفهومَ عدمِ الاستواءِ بين الشيئينِ المتفاوتينِ زيادةً ونقصاناً وإن جازَ اعتبارُهُ بحسبِ زيادةُ الزائدِ ، لكنْ المتبادرُ اعتبارُهُ بحسبِ نقصانِ الناقصِ ، وعليهِ قولُهُ تعالى : { هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور } [ سورة الزمر ، الآية 9 ] إلى غيرِ ذلَك منَ المواقعِ وأما قولُهُ تعالى { هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ } [ سورة الرعد ، الآية 16 ] فلعلَّ تقديمَ الفاضلِ فيهِ لأنَّ صلَتَهُ ملكةٌ لصلةِ المفضولِ والإعدامُ مسبوقةٌ بملكاتِهَا وَلاَ دلالةَ في الآيةِ الكريمةِ على أنَّ المسلمَ لا يقتصُّ بالكافرِ وأنَّ الكفارَ لا يملكونَ أموالَ المسلمينَ بالقهرِ لأنَّ المرادَ عدمُ الاستواءِ في الأحوالِ الأخرويةِ كما ينبئُ عنه التعبيرُ عن الفريقينِ بصاحبيةِ النَّارِ وصاحبيةِ الجنَّةِ وكذا قولُهُ تعالى : { أصحاب الجنة هُمُ الفائزون } فإنَّه استئنافٌ مبينٌ لكيفيةِ عدمِ الاستواءِ بينَ الفريقينِ أي هُم الفائزونَ بكلِّ مطلوبٍ الناجونَ عنْ كلِّ مكروهٍ .