المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (12)

12- يا أيها النبي : إذا جاءك المؤمنات يعاهدنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ، ولا يسرقن ، ولا يزنين ، ولا يقتلن أولادهن ، ولا يُلْحقْنَ بأزواجهن مَن ليس من أولادهن بهتاناً وكذباً يختلقنه بين أيديهن وأرجلهن ، ولا يخالفنك في معروف تدعوهن إليه ، فعاهدهن على ذلك ، واطلب لهن المغفرة من الله ، إن الله عظيم المغفرة والرحمة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (12)

قوله تعالى : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } الآية ، وذلك يوم فتح مكة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال ، وهو على الصفا وعمر بن الخطاب أسفل منه ، وهو يبايع النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغهن عنه ، وهند بنت أبي عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبايعكن " { على أن لا تشركن بالله شيئاً } ، فرفعت هند رأسها وقالت : والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال ، وبايع الرجال يومئذ على الإسلام ، والجهاد فقط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، { ولا يسرقن } فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هنات ، فلا أدري أيحل لي أم لا ؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها ، فقال لها : وإنك لهند بنت عتبة ؟ قالت : نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك ، فقال : { ولا يزنين } فقالت هند : أو تزني الحرة ؟ فقال : { ولا يقتلن أولادهن } فقالت هند ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً فأنتم وهم أعلم ، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر ، فضحك عمر رضي الله عنه حتى استلقى ، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } وهي أن تقذف ولداً على زوجها ليس منه- قالت هند : والله إن البهتان لقبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق ، فقال : { ولا يعصينك في معروف } قالت هند : ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء . فأقر النسوة بما أخذ عليهن . قوله : { ولا يقتلن أولادهن } أراد وأد البنات الذي كان يفعل أهل الجاهلية . قوله { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } ليس المراد منه نهيهن عن الزنا ، لأن النهي عن الزنا قد تقدم ذكره ، بل المراد منه أن تلتقط مولوداً وتقول لزوجها هذا ولدي منك ، فهو البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن ، لأن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها . قوله :{ ولا يعصينك في معروف } أي في كل أمر وافق طاعة الله . قال بكر بن عبد الله المزني : في كل أمر فيه رشدهن . وقال مجاهد : لا تخلو المرأة بالرجال . وقال سعيد بن المسيب والكلبي وعبد الرحمن بن زيد : هو النهي عن النوح والدعاء بالويل وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه وخمش الوجه ، ولا تحدث المرأة الرجال إلا ذا محرم ، ولا تخلو برجل غير ذي محرم ، ولا تسافر إلا مع ذي محرم . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا { أن لا يشركن بالله شيئاً } ونهانا عن النياحة ، فقبضت امرأة يدها فقالت : أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها ، فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، فانطلقت ورجعت وبايعها " . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري ، حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا هدية بن خالد ، حدثنا أبان بن يزيد ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، أن زيداً حدثه ، أن أبا سلام حدثه ، أن أبا مالك الأشعري حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم والنياحة " . وقال : " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عمرو بن حفص ، حدثنا أبي أنبأنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية " . قوله : { فبايعهن } يعني إذا بايعنك فبايعهن ، { واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم } . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني محمود ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية : { لا يشركن بالله شيئاً } قالت : وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها } . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا محمد ابن عبد الله بن حمدون ، أنبأنا مكي بن عبدان ، حدثنا عبد الرحمن بن بشر ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، سمع أميمة بنت رقية تقول : " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فقال لنا : فيما استطعتن وأطقتن ، فقلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم بنا من أنفسنا ، قلت : يا رسول الله بايعنا ، قال سفيان : يعني صافحنا ، فقال : إني لا أصافح النساء ، إنما قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (12)

{ 12 } { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .

هذه الشروط المذكورة في هذه الآية ، تسمى " مبايعة النساء " اللاتي [ كن ] يبايعن على إقامة الواجبات المشتركة ، التي تجب على الذكور والنساء في جميع الأوقات .

وأما الرجال ، فيتفاوت ما يلزمهم بحسب أحوالهم ومراتبهم وما يتعين عليهم ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل ما أمره الله به ، فكان إذا جاءته النساء يبايعنه ، والتزمن بهذه الشروط بايعهن ، وجبر قلوبهن ، واستغفر لهن الله ، فيما يحصل منهن من التقصير{[1063]}  وأدخلهن في جملة المؤمنين بأن { لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا } بأن{[1064]}  يفردنالله [ وحده ] بالعبادة .

{ وَلَا يَزْنِينَ } كما كان ذلك موجودا كثيرا في البغايا وذوات الأخدان ، { وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ } كما يجري لنساء الجاهلية الجهلاء .

{ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } والبهتان : الافتراء على الغير أي : لا يفترين بكل حالة ، سواء تعلقت بهن وأزواجهن{[1065]}  أو سواء تعلق ذلك بغيرهم ، { وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } أي : لا يعصينك في كل أمر تأمرهن به ، لأن أمرك لا يكون إلا بمعروف ، ومن ذلك طاعتهن [ لك ] في النهي عن النياحة ، وشق الثياب ، وخمش الوجوه ، والدعاء بدعاء{[1066]}  الجاهلية .

{ فَبَايِعْهُنَّ } إذا التزمن بجميع ما ذكر .

{ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ } عن تقصيرهن ، وتطييبا لخواطرهن ، { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } أي : كثير المغفرة للعاصين ، والإحسان إلى المذنبين التائبين ، { رَحِيمٌ } وسعت رحمته كل شيء ، وعم إحسانه البرايا .


[1063]:- كذا في ب، وفي أ: يحصل من التقصير منهن.
[1064]:- في ب: بل.
[1065]:- في ب: مع أزواجهن.
[1066]:- في ب: بدعوى.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (12)

ثم بين لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كيف يبايعهن على الإيمان ، هن وغيرهن ممن يردن الدخول في الإسلام . وعلى أي الأسس يبايعهن :

يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا ، ولا يسرقن ، ولا يزنين ، ولا يقتلن أولادهن ، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ، ولا يعصينك في معروف ، فبايعهن ، واستغفر لهن الله ، إن الله غفور رحيم . .

وهذه الأسس هي المقومات الكبرى للعقيدة ، كما أنها مقومات الحياة الاجتماعية الجديدة . .

إنها عدم الشرك بالله إطلاقا . . وعدم إتيان الحدود . . السرقة والزنا . . وعدم قتل الأولاد . . إشارة إلى ما كان يجري في الجاهلية من وأد البنات ، كما أنه يشمل قتل الأجنة لسبب من الأسباب . . وهن أمينات على ما في بطونهن . . ( ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ) . . قال ابن عباس : يعني لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهن . وكذلك قال مقاتل . ولعل هذا التحفظ - بعد المبايعة على عدم الزنا - كان للحالات الواقعة في الجاهلية من أن تبيح المرأة نفسها لعدة رجال ، فإذا جاءت بولد ، نظرت أيهم أقرب به شبها فألحقته به ، وربما اختارت هي أحسنهم فألحقت به ابنها وهي تعلم من هو أبوه !

وعموم اللفظ يشمل هذه الحالة وغيرها من كل بهتان مزور يدعى . ولعل ابن عباس ومقاتل خصصاه بذلك المعنى لمناسبة واقعة وقتذاك

والشرط الأخير : ( ولا يعصينك في معروف ) . . وهو يشمل الوعد بطاعة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في كل ما يأمرهن به . وهو لا يأمر إلا بمعروف . ولكن هذا الشرط هو أحد قواعد الدستور في الإسلام ، وهو يقرر أن لا طاعة على الرعية لإمام أو حاكم إلا في المعروف الذي يتفق مع دين الله وشريعته . وأنها ليست طاعة مطلقة لولي الأمر في كل أمر ! وهي القاعدة التي تجعل قوة التشريع والأمر مستمدة من شريعة الله ، لا من إرادة إمام ولا من إرادة أمة إذا خالفت شريعة الله . فالإمام والأمة كلاهما محكوم بشريعة الله ، ومنها يستمدان السلطات !

فإذا بايعن على هذه الأسس الشاملة قبلت بيعتهن . واستغفر لهن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] عما سلف ( إن الله غفور رحيم ) . . يغفر ويرحم ويقيل العثرات .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىَ أَن لاّ يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنّ وَأَرْجُلِهِنّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنّ اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { يا أيّها النّبِيّ إذَا جاءَك المُؤمِناتُ يُبايِعْنَكَ على أنْ لا يُشْرِكُنَ باللّهِ شَيْئا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أوْلادَهُنّ وَلا يأْتِينَ بِبُهْتان يَفْتَرِينَهُ بَينَ أيْدِيهِن وأرْجُلُهِنّ }يقول : ولا يأتين بكذب يكذبنه في مولود يوجد بين أيديهنّ وأرجلهنّ . وإنما معنى الكلام : ولا يلحقن بأزواجهنّ غير أولادهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا يأْتِينَ بِبُهْتان يَفْتَرِينَهُ بَينَ أيْدِيهِن وأرْجُلُهِنّ }يقول : لا يلحقن بأزواجهنّ غير أولادهم .

وقوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ }يقول : ولا يعصينك يا محمد في معروف من أمر الله عزّ وجلّ تأمرهنّ به . وذُكر أن ذلك المعروف الذي شرط عليهنّ أن لا يعصين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هو النياحة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }يقول : لا يُنحْن .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ } ، قال : النوح .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، مثله .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سالم ، مثله .

حدثنا محمد بن عبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا موسى بن عمير ، عن أبي صالح ، في قوله : { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : في نياحة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : النوح .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : لا يخدشن وجها ، ولا يشققن جيبا ، ولا يدعونّ ويلاً ، ولا ينشدن شعرا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : كانت محنة النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : قل لهنّ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعكنّ على أن لا تشركن بالله شيئا ، وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة رحمة الله عليه متنكرة في النساء ، فقالت : إني إن أتكلم يعرفني ، وإن عرفني قتلني ، وإنما تنكرت فرقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسكت النسوة اللاتي مع هند ، وأبين أن يتكلمن قالت هند وهي متنكرة : وكيف يقبل من النساء شيئا لم يقبله من الرجال ؟ فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر : «قُلْ لَهُنّ وَلا يَسْرِقْنَ » ، قالت هند : والله إني لأصيب من أبى سفيان الهات وما أدري أيحلهنّ لي أم لا ، قال أبو سفيان : ما أصبت من شيء مضى ، أو قد بقي ، فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها ، فدعاها فأتته ، فأخذت بيده ، فعاذت به ، فقال : «أنْتِ هِنْدٌ » ، فقالت : عفا الله عما سلف ، فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { وَلا يَزْنِينَ }فقالت : يا رسول الله وهل تزني الحرّة ؟ قال : «لا والله ما تَزْنِي الحُرّةُ » قال : وَلا يَقْتُلْنَ أوْلادَهُنّ ، قالت هند : أنت قتلتهم يوم بدر فأنت وهم أبصر قال : { وَلا يأْتِينَ بِبُهْتان يَفْتَرِينَهُ بَينَ أيْدِيهِن وأرْجُلُهِنّ وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : منعهنّ أن ينحن ، وكان أهل الجاهلية يمزّقن الثياب وَيَخْدِشْن الوجوه ، ويقطّعن الشعور ، ويدعون بالثّبور والويل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { يا أيّها النّبِيّ إذَا جاءَكَ المُؤمِناتُ يُبايِعْنَكَ }حتى بلغ { فَبايِعْهُنّ }ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليهنّ يومئذ النياحة ، «ولا تحدّثن الرجال ، إلا رجلاً منكنّ مَحْرَما » ، فقال عبد الرحمن بن عوف : يا نبيّ الله إن لنا أضيافا ، وإنا نغيب عن نسائنا قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ أُولَئِكَ عَنَيْتُ » .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ قال : هو النوح أُخِذ عليهنّ لا ينحن ، ولا يخلُونّ بحديث الرجال إلا مع ذي مَحْرم قال : فقال عبد الرحمن بن عوف : إنا نغيب ويكون لنا أضياف قال : «ليس أولئك عنيت » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : أخبرنا أبو هلال ، قال : حدثنا قتادة ، في قوله { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ } قال : لا يحدثن رجلاً .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن عياش ، عن سليمان بن سليمان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : جاءت أُميمة بنت رقيقة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : «أُبايِعُكِ على أنْ لا تُشْرِكي باللّهِ شَيْئا ، وَلا تَسْرِقي ، وَلا تَزْنِي ، وَلا تَقْتُلِي وَلَدَك ، وَلا تأْتِي بِبُهْتان تَفْتَرِينَهُ بَينَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ ، وَلا تَنُوحي وَلا تبّرجي تَبّرجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى » .

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة ، قالت : جاءت نسوة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يبايعنه ، فقال : «فِيما اسْتَطَعْتُنّ وأطَقْتُنّ » ، فقلنا : الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا .

حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث ، قال : حدثنا خالد بن يزيد ، عن ابن أبي هلال ، عن ابن المنكدر أن أُميمة أخبرته أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فقلن : يا رسول الله ابسط يدك نصافحك ، فقال : «إنّي لا أُصافِحُ النّساءَ ، وَلَكِنْ سآخُذُ عَلَيْكُمّ » ، فأخذ علينا حتى بلغ : وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ فقال : «فِيما أطَقْتُنّ وَاسْتَطَعْتُنّ » فقلن : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن ابن سيرين ، عن أمّ عطية الأنصارية ، قالت : كان فيما اشترط علينا من المعروف حين بايعنا أن لا ننوح ، فقالت امرأة من بني فلان : إن بني فلان أسعدوني ، فلا حتى أجزيهم ، فانطلقت فأسعدتهم ، ثم جاءت فبايعت قال : فما وفى منهن غيرها وغير أمّ سليم ابنة ملحان أمّ أنس بن مالك .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عمرو بن فروخ القتات ، قال : حدثنا مصعب بن نوح الأنصاري ، قال : «أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأتيته لأبايعه ، فأخذ علينا فيما أخذ ولا تُنحنَ ، فقالت عجوز : يا نبيّ الله إن ناسا قد كانوا أسعدوني على مصائب أصابتني ، وإنهم قد أصابتهم مصيبة ، فأنا أريد أن أسعدهم قال : «فانْطَلِقي فَكافِئِيهمْ » ثم إنها أتت فبايعته ، قال : «هو المعروف الذي قال الله » : وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن يزيد ، مولى الصهباء ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قوله وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ قال : «النوح » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يونس ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة التيمية ، قالت : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من المسلمين ، فقلنا له : جئناك يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتيَ ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فيما اسْتَطعتنّ وأطقتنّ » ، فقلنا : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ، فقلنا : بايعنا يا رسول الله ، فقال : «اذْهَبْنَ فَقَدْ بايَعْتُكُنّ ، إنّما قَوْلِي لمئَةِ امْرأةٍ كَقَوْلي لامْرأةٍ وَاحدَةِ » ، وما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أحدا .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن عيسى بن عبد الله التيمي ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة خالة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعتها تقول : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ علينا أن لا نشرك بالله شيئا ، فذكر مثل حديث محمد بن إسحاق .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة ، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء نبايعه ، قالت : فأخذ علينا النبيّ صلى الله عليه وسلم بما في القرآن أنْ لا يُشْرِكْنَ باللّهَ شَيْئا . . . الآية ، ثم قال : «فيما اسْتَطَعْتُنّ وأطَقْتُنّ » فقلنا : يا رسول الله ألا تصافحنا ؟ فقال : «إنّي لا أُصافِحُ النّساءَ ما قَوْلي لامرأةٍ وَاحدَةِ إلاّ كَقَوْلي لِمِئَةِ امْرأةٍ » .

حدثنا ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن زُهير ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .

حُدثت ، عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ والمعروف : ما اشترط عليهنّ في البيعة أن يتبعن أمره .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وخيرته من خلقه ثم لم يستحلّ له أمور أمر إلا بشرط لم يقل : ولا يعصينك ويترك حتى قال : في معروف : فكيف ينبغي لأحد أن يُطاع في غير معروف وقد اشترط الله هذا على نبيه ، قال : فالمعروف كلّ معروف أمرهنّ به في الأمور كلها وينبغي لهنّ أن لا يعصين .

حدثنا محمد بن سنان القزاز ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا إسحاق بن عثمان بن يعقوب ، قال : ثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ، عن جدته أمّ عطية ، قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، جمع بين نساء الأنصار في بيت ، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ، فقام على الباب فسلم علينا ، فرددن ، أو فرددنا عليه ، ثم قال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكنّ ، قالت : فقلنا مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبرسول رسول الله ، فقال : تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ، ولا تسرقن ، ولا تزنين ، قالت : قلنا نعم قال : فمدّ يده من خارج الباب أو البيت ، ومددنا أيدينا من داخل البيت ، ثم قال : اللهمّ اشهد قالت : وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحيض والعواتق ، ولا جمعة علينا ، ونهانا عن اتباع الجنازة ، قال إسماعيل : فسألت جدتي عن قول الله وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ قالت : النياحة .

حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير ، في قول الله : { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : لا يخلوا الرجل بامرأة .

وقوله : { فَبايِعْهُنّ }يقول جلّ ثناؤه : إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على هذه الشروط ، فبايعهن ، { وَاسْتَغْفِرْ لَهُنّ اللّهَ }يقول : سل لهنّ الله أن يصفح عن ذنوبهنّ ، ويسترها عليهنّ بعفوه لهنّ عنها ، { إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }يقول : إن الله ذو ستر على ذنوب من تاب إليه من ذنوبه أن يعذّبه عليها بعد توبته منها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (12)

{ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا }نزلت يوم الفتح فإنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء { ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن }يريد وأد البنات ، { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف } ، في حسنة تأمرهن بها والتقييد بالمعروف مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به تنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق { فبايعهن }بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء ، { واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (12)

هذه بيعة النساء في ثاني يوم الفتح على جبل الصفا وهي كانت في المعنى بيعة الرجال قبل فرض القتال ، وسماهم { المؤمنات } بحسب الظاهر من أمرهن ، ورفض الاشتراك هو محض الإيمان ، وقتل الأولاد وهو من خوف الفقر ، وكانت العرب تفعل ذلك . وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن : «يُقَتِّلن » بضم الياء وفتح القاف وكسر التاء المشددة ، و«الإتيان بالبهتان » ، قال أكثر المفسرين معناه أن تنسب إلى زوجها ولداً ليس هو له واللفظ أعم من هذا التخصيص ، فإن الفرية بالقول على أحد من الناس بعظيمة لمن هذا{[11056]} ، وإن الكذب فيما ائتمن فيه من الحمل والحيض لفرية بهتان ، وبعض أقوى من بعض وذلك أن بعض الناس قال :{ بين أيديهن } يراد به اللسان والفم في الكلام والقبلة ونحوه ، «وبين الأرجل » يراد به الفروج وولد الإلحاق ونحوه ، والمعروف الذي نهي عن العصيان فيه ، قال أنس وابن عباس ، وزيد بن أسلم : هو النوح ، وشق الجيوب ووشم الوجوه ووصل الشعر وغير ذلك من أوامر الشريعة ، فرضها وندبها . ويروى أن جماعة نساء فيهن هند بنت عتبة بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهن الآي ، فلما قررهن على أن لا يشركن قالت هند : وكيف نطمع أن تقبل منا ما لم تقبله من الرجال ؟ بمعنى أن هذا بين لزومه ، فلما وقف على السرقة ، قالت : والله إني لأصيب الهنة من مال أبي سفيان لا أدري أيحل لي ذلك ، فقال أبو سفيان : ذلك لك حلال فيما مضى وبقي ، وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كلي وولدك بالمعروف » .

وقدر تكرر هذا المعنى في الحديث الآخر قولها إن أبا سفيان رجل مسيك فلما وقف على الزنا قالت : يا رسول الله وهل تزني الحرة ؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا ما تزني الحرة » ، وذلك أن الزنا في قريش إنما كان في الإماء في أغلب الأمر ، وفيما تعرف مثل هند وإلا فالبغايا قد كن أحراراً ، فلما وقف على قتل الأولاد ، قالت : نحن ربيناهم صغاراً وقتلتهم أنت ببدر كباراً ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما وقف على العصيان بالمعروف ، قالت : ما جلسنا هذا المجلس وفي أنفسنا أن نعصيك{[11057]} ، ويروى أن جماعة نساء بايعن النبي صلى الله عليه وسلم فقلن : يا رسول الله نبايعك على كذا وكذا الآية ، فلما فرغن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فيما استطعتن وأطقتن » ، فقلن الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا .

وقوله تعالى : { فبايعهن } امض معهن صفقة الإيمان بأن يعطين ذلك من أنفسهن ويعطين عليه الجنة ، واختلفت هيئات مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بعد الإجماع على أنه لم تمس يده يد امرأة أجنبية قط ، فروي عن عائشة وغيرها أنه بايع باللسان قولاً{[11058]} ، وقال :

«إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة »{[11059]} ، وقالت أسماء بنت يزيد : كنت في النسوة المبايعات فقلت : يا رسول الله ابسط يدك نبايعك ، فقال لي عليه السلام : «إني لا أصافح النساء لكن آخذ عليهن ما أخذ الله عليهن »{[11060]} ، وذكر النقاش حديثاً أن النبي صلى الله عليه وسلم مد يده من خارج بيت ومد نساء من الأنصار أيديهن من داخله فبايعن{[11061]} وما قدمته أثبت ، وروي عن الشعبي أنه لف ثوباً كثيفاً قطرياً على يده وجاء نسوة فلمسن يده كذلك{[11062]} ، وروي عن الكلبي : أنه قدم عمر بن الخطاب فلمس نساء يده وهو خارج من بيت وهن فيه بحيث لا يراهن{[11063]} ، وذكر النقاش وغيره : أن النبي صلى الله عليه وسلم بايعه النساء على الصفا بمكة وعمر بن الخطاب يصافحهن{[11064]} ، وروي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ورفعه النقاش عن ابن عباس وعن عروة بن مسعود الثقفي : أنه عليه السلام غمس يده في إناء فيه ماء ثم دفعه إلى النساء يغمسن أيديهن فيه{[11065]} . ثم أمره تعالى بالاستغفار لهن ورجاهن في غفرانه ورحمته بقوله : { إن الله غفور رحيم } .


[11056]:يعني الافتراء على أحد من الناس بالقول أنه ارتكب عظيمة من الأمور لهي هذا النوع.
[11057]:أخرجه سعيد بن منصور، وابن سعد، عن الشعبي رضي الله عنه، وأخرج مثله ابن جرير، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما.(الدر المنثور). هذا
[11058]:روى البخاري عن عُروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية{يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} إلى قوله:{غفور رحيم}، قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قد بايعتك) كلاما، ولا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط، ما يبايعهن إلا بقوله:(قد بايعتك على ذلك)، هذا لفظ البخاري، وقد أخرج الحديث أيضا عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن ماجه، وابن المنذر، وابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها.(الدر المنثور). وأخرجه أيضا أحمد(6-153) والترمذي.
[11059]:أخرجه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن سعد، وأحمد والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، عن أميمة بنت رقيقة، ولفظه كاملا أنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن:"ألا نشرك بالله شيئا" حتى بلغ{ولا يعصينك في معروف} فقال: فيما استطعتن وأطقتن، قلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، يا رسول الله ألا تصافحنا؟ قال:(إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة). (الدر المنثور).
[11060]:أخرجه سعيد بن منصور، وابن سعد، وأحمد، وابن مردويه، عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، قالت: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فقال:(إني لا أصافحكن، ولكن آخذ عليكن ما أخذ الله).(الدر المنثور).
[11061]:أخرج أحمد، وابن سعد، وأبو داود، وأبو يعلى، وعبد بن حميد، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، عن إسماعيل بن عطية، عن جدته أم عطية رضي الله عنها، قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، فأرسل إليهن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فقام على الباب فسلم، فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن، تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا، ولا تسرقن، ولا تزنين...الآية؟ قلنا: نعم، فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، قاله إسماعيل: فسألت جدتي عن قوله تعالى:{ولا يعصينك في معروف} قالت: نهانا عن النياحة. وهذه الرواية عن أم عطية تفيد أن الذي تكلم مع النساء ومدّ يده هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما رواية النقاش التي ذكرها ابن عطية فتفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي مدّ يده المكرمة، ونلحظ أن ابن عطية علق على رواية النقاش بقوله:"وما قدمته أثبت".
[11062]:أخرجه سعيد بن منصور، وابن سعد، عن الشعبي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء ووضع على يده ثوبا، فلما كان بعد كان يخير النساء فيقرأ عليهن هذه الآية{يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} الآية... ثم ذكر حضور هند امرأة أبي سفيان وكلامها.(الدر المنثور).
[11063]:راجع الهامش رقم (2) صفحة(418)، هذا وقد أخرجه أيضا ابن جرير الطبري عن أم عطية رضي الله عنها.
[11064]:في تفسير ابن كثير أن مقاتل بن حيان قال: أنزلت هذه الآية يوم الفتح، بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال على الصفا، وعمر بايع النساء يحلفهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...ثم قال ابن كثير: رواه ابن أبي حاتم. ثم ساق روايته، فيها خبر هند بنت عتبة.
[11065]:أخرجه ابن سعد، وابن مردويه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ثم يغمسن أيديهن، فكانت هذه بيعته.