هذا وإن كانوا لا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم ، و يفرون{[1098]} منه [ غاية الفرار ] ، فإن ذلك لا ينجيهم ، بل لا بد أن يلاقيهم الموت الذي قد حتمه الله على العباد وكتبه عليهم .
ثم بعد الموت واستكمال الآجال ، يرد الخلق كلهم يوم القيامة إلى عالم الغيب والشهادة ، فينبئهم بما كانوا يعملون ، من خير وشر ، قليل وكثير .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّ الْمَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لليهود إنّ المَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فتكرهونه ، وتأبون أن تتمنوه فإنّهُ مُلاقِيكُمْ ونازل بكم ثُمّ تَرُدّونَ إلى عالمِ الغَيْبِ والشّهادَةِ ثم يردّكم ربكم من بعد مماتكم إلى عالم الغيب والشهادة ، عالم غيب السموات والأرض والشهادة : يعني وما شهد فظهر لرأي العين ، ولم يغب عن أبصار الناظرين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : تلا قتادة : ثُمّ تُرَدّونَ إلى عالمِ الغَيْبِ والشّهادَةِ فقال : إن الله أذلّ ابن آدم بالموت لا أعلمه إلا رفعه .
فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول : فيخبركم حينئذ ما كنتم في الدنيا تعملون من الأعمال ، سيئها وحسنها ، لأنه محيط بجميعها ، ثم يجازيكم على ذلك المحسن بإحسانه ، والمسيء بما هو أهله .
قل إن الموت الذي تفرون منه وتخافون أن تتمنوه بلسانكم مخافة أن يصيبكم فتؤخذوا بأعمالكم فإنه ملاقيكم لاحق بكم لا تفوتونه والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف وكأن فرارهم يسرع لحوقه بهم وقد قرئ بغير فاء ويجوز أن يكون الموصول خبرا والفاء عاطفة ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون بأن يجازيكم عليه .
تصريح بما اقتضاه التذييل من الوعيد وعدم الانفلات من الجزاء عن أعمالهم ولو بَعُد زمان وقوعها لأن طول الزمان لا يؤثر في علم الله نسياناً ، إذ هو عالم الغيب والشهادة . وموقع هذه الجملة موقع بدل الاشتمال من جملة { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } [ الجمعة : 6 ] ، وإعادة فعل { قل } من قبيل إعادة العامل في المبدل منه كقوله تعالى : { تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا } في سورة [ العقود : 114 ] .
و{ وصف الموت } ب { الذي تفرون منه } للتنبيه على أن هلعهم من الموت خطأ كقول علقمة :
إن الذين ترونهم إخوانكم *** يشفي غليل صدورهم أن تُصرعوا
وأطلق الفرار على شدة الحذر على وجه الاستعارة .
واقتران خبر ( إن ) بالفاء في قوله : { فإنه ملاقيكم } لأن اسم ( إن ) نُعِت باسم الموصول والموصول كثيراً ما يعامل معاملة الشرط فعومل اسم ( إن ) المنعوت بالموصول معاملة نعته .
وإعادة { إِنّ } الأولى لزيادة التأكيد كقول جرير :
إن الخليفةَ إن الله سربله *** سِربال مُلْكٍ به تُزْجى الخَواتِيم
وتقدم عند قوله تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } في سورة [ الكهف : 30 ] . وفي سورة الحج أيضاً .
والإِنباء بما كانوا يعملون كناية عن الحساب عليه ، وهو تعريض بالوعيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.