اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

قوله : { قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } .

في هذه الفاء وجهان{[56591]} :

أحدهما : أنها داخلةٌ لما تضمنه الاسم من معنى الشرط ، وحكم الموصوف بالموصول حكم الموصول في ذلك .

قال الزجاج{[56592]} : ولا يقال : إنَّ زيداً فمنطلق ، وهاهنا قال : «فإنَّهُ مُلاقِيكُمْ » لما في معنى «الذي » من الشرط والجزاء ، أي : فررتم منه فإنه ملاقيكم ، وتكون مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه .

الثاني : أنها مزيدة محضة لا للتضمين المذكور .

وأفسد هؤلاء القول الأول بوجهين :

أحدهما : أن ذلك إنما يجوز إذا كان المبتدأ أو اسم إن موصولاً ، واسم «إن » هنا ليس بموصول ، بل موصوفاً بالموصول .

والثاني : أن الفرار من الموت لا ينجي منه فلم يشبه الشرط يعني أنه متحقق فلم يشبه الشرط الذي هو من شأنه الاحتمال .

وأجيب عن الأول : بأن الموصوف مع صفته كالشيء الواحد ؛ ولأن «الذي » لا يكون إلا صفة ، فإذا لم يذكر الموصوف دخلت الفاء ، والموصوف مراد ، فكذلك إذا صرح بها .

وعن الثاني : بأن خلقاً كثيراً يظنون أن الفرار من أسباب الموت ينجيهم إلى وقت آخر .

وجوز مكي{[56593]} : أن يكون الخبر قوله : { الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ } وتكون الفاء جواب الجملة قال : كما تقول : «زيد منطلق فقم إليه » .

وفيه نظر ؛ لأنها لا ترتب بين قوله : { إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ } وبين قوله { فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } فليس نظيراً لما مثله{[56594]} .

قال القرطبي{[56595]} : ويجوز أن يتم الكلام عند قوله : { الذي تَفِرُّونَ } ثم يبدأ بقوله { فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } .

وقرأ زيد بن{[56596]} علي : «إنَّهُ » بغير فاء .

وفيها أوجه{[56597]} :

أحدها : أنه مستأنف ، وحينئذ يكون الخبر نفس الموصول ، كأنه قيل : فإن الموت هو الشيء الذي تفرّون منه . قاله الزمخشري{[56598]} .

الثاني : أن الخبر الجملة من قوله : { فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } وحينئذ يكون الموصول نعتاً للموت .

الثالث : أن يكون «إنه » تأكيد ، لأن الموت لما طال الكلام أكد الحرف تأكيد لفظياً ، وقد عرف أنه لا يؤكد كذلك إلا بإعادة ما دخل عليه أو بإعادة ضميره ، فأكد بإعادة ضمير ما دخلت عليه «إن » .

وحينئذ يكون الموصول نعتاً للموت ، و «ملاقيكم » خبره ، كأنه قيل : إن الموت إنه ملاقيكم .

وقرأ ابن مسعود{[56599]} : «ملاقيكم » من غير «فإنه » .

فإن قيل : الموت ملاقيهم على كل حال فروا أو لم يفروا ، فما معنى الشرط والجزاء ؟ .

فالجواب{[56600]} : أنَّ هذا على جهة الرَّد عليهم إذ ظنوا أن الفرار ينجيهم ، { ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وهذا وعيد بليغ وتهديد شديد{[56601]} .


[56591]:ينظر: الدر المصون 6/317.
[56592]:ينظر: معاني القرآن للزجاج 5/171.
[56593]:ينظر المشكل 2/734.
[56594]:ينظر: الدر المصون 6/317.
[56595]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/63.
[56596]:ينظر: الكشاف 4/531، والبحر المحيط 8/264، والدر المصون 6/317.
[56597]:ينظر: الدر المصون 6/317.
[56598]:ينظر: الكشاف 4/531.
[56599]:ينظر: الكشاف 4/531، والرازي 30/7.
[56600]:ينظر: الفخر الرازي 30/8.
[56601]:ينظر السابق 30/7.