وقوله : فالجارِياتِ يُسْرا يقول : فالسفن التي تجري في البحار سهلاً يسيرا فالمُقَسّماتِ أمْرا يقول : فالملائكة التي تقسم أمر الله في خلقه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، قال : قام رجل إلى عليّ رضي الله عنه ، فقال : ما الجاريات يسرا ؟ قال : هي السفن قال : فما الحاملات وقرا ؟ قال : هي السحاب قال : فما المقسمات أمرا ؟ قال : هم الملائكة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سِماك ، قال : سمعت خالد بن عرعرة ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه . وقيل له : ما الحاملات وقرا ؟ قال : هي السحاب قال : فما الجاريات يُسرا ؟ قال : هي السفن قال : فما المقسّمات أمرا ؟ قال : هي الملائكة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، عن عليّ بنحوه .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد الله الهلالي ومحمد بن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ، قال : حدثنا موسى الزمعي ، قال : ثني أبو الحُوَيرث ، عن محمد بن جُبَير بن مطعم أخبره ، قال : سمعت عليا يخطب الناس ، فقام عبد الله بن الكوّاء فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى : فالْحامِلاتِ وِقْرا قال : هي السحاب فالجارِياتِ يُسْرا قال : هي السفن فالمُقَسّمات أمْرا قال : الملائكة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزّة ، قال : سمعت أبا الطفيل ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي الطفيل ، قال : قال ابن الكوّاء لعليّ ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبي الطّفيل ، قال : شهدت عليا رضي الله عنه ، وقام إليه ابن الكوّاء ، فذكر نحوه .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا طَلْق بن غنام ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن عليّ بن ربيعة ، قال : سأل ابن الكوّاء عليا ، فذكر نحوه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني يحيى بن أيوب ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجليّ ، عن أبي الصهباء البكريّ ، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، نحوه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن رجلاً سأل عليا ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، عن عليّ مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، قال : سُئل فذكر مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فالْحامِلاتِ وِقْرا قال : السحاب ، قوله : فالمُقَسّماتِ أمْرا قال : الملائكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فالْحامِلاتِ وِقْرا قال : السحاب تحمل المطر ، فالجارِياتِ يُسْرا قال : السفن فالمُقَسّماتِ أمْرا قال : الملائكة ينزلها بأمره على من يشاء .
{ فالمقسمات أمرا } الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها ، أو ما يعمهم وغيرهم من أسباب القسمة ، أو الريح يقسمن الأمطار بتصريف السحاب ، فإن حملت على ذوات مختلفة بالفاء لترتيب الأقسام بها باعتبار ما بينها من التفاوت في الدلالة على كمال القدرة ، وإلا فالفاء لترتيب الأفعال إذ الرياح مثلا تذرو الأبخرة إلى الجو حتى تنعقد سحابا ، فتحمله فتجري به باسطة له إلى حيث أمرت به فتقسم المطر .
و : { المقسمات أمراً } الملائكة والأمر هنا اسم الجنس ، فكأنه قال : والجماعات التي تقسم أمور الملكوت من الأرزاق والآجال والخلق في الأرحام وأمر الرياح والجبال وغير ذلك ، لأن كل هذا إنما هو بملائكة تخدمه ، فالآية تتضمن جميع الملائكة لأنهم كلهم في أمور مختلفة ، وأنث { المقسمات } من حيث أراد الجماعات .
وقال أبو طفيل عامر بن واثلة{[10579]} : كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنبر فقال : لا تسألوني عن آية من كتاب الله أو سنة ماضية إلا قلت ، فقام إليه ابن الكواء فسأله عن هذه ، فقال : { الذاريات } الرياح .
و { الحاملات } السحاب ، و { الجاريات } السفن ، و { المقسمات } الملائكة . ثم قال له سل سؤال تعلم ولا تسأل سؤال تعنت{[10580]} .
و{ المقسمات أمراً } الرياح التي تنتهي بالسحاب إلى الموضع الذي يبلغ عنده نزول ما في السحاب من الماء أو هي السحب التي تُنزل ما فيها من المطر على مواضع مختلفة .
وإسناد التقسيم إليها على المعنيين مجاز بالمشابهة . وروي عن الحسن { المقسمات } السحب بقَسم الله بها أرزاق العباد » اه . يريد قوله تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء مباركاً } إلى قوله : { رِزقاً للعباد } في سورة ق ( 9 11 ) .
ومن رشاقة هذا التفسير أن فيه مناسبة بين المُقْسَم به والمقسم عليه وهو قوله : إنما توعدون لصادِق وإن الدين لواقع } فإن أحوال الرياح المذكورة هنا مبدؤها : نفخ ، فتكوين ، فإحياء ، وكذلك البعث مبدؤه : نفخ في الصور ، فالتئام أجساد الناس التي كانت معدومة أو متفرقة ، فبثُّ الأرواح فيها فإذا هم قيام ينظرون . وقد يكون قوله تعالى : { أمراً } إشارة إلى ما يقابله في المثال من أسباب الحياة وهو الروح لقوله : { قل الروح من أمر ربي } [ الإسراء : 85 ] .