قوله تعالى : { ولا يأتونك } يا محمد يعني : هؤلاء المشركين ، { بمثل } يضربونه في إبطال أمرك { إلا جئناك بالحق } يعني بما ترد به ما جاؤوا به من المثل وتبطله ، فسمى ما يوردون من الشبه مثلاً ، وسمى ما يدفع به الشبه حقاً ، { وأحسن تفسيراً } أي : بياناً وتفصيلاً ، والتفسير : تفعيل من الفسر ، وهو كشف ما قد غطي .
ولهذا قال : { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } يعارضون به الحق ويدفعون به رسالتك ، { إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } أي : أنزلنا عليك قرآنا جامعا للحق في معانيه والوضوح والبيان التام في ألفاظه ، فمعانيه كلها حق وصدق لا يشوبها باطل ولا شبهة بوجه من الوجوه ، وألفاظه وحدوده للأشياء أوضح ألفاظا وأحسن تفسيرا مبين للمعاني بيانا كاملا .
وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي للمتكلم في العلم من محدث ومعلم ، وواعظ أن يقتدي بربه في تدبيره حال رسوله ، كذلك العالم يدبر أمر الخلق ، فكلما حدث موجب أو حصل موسم ، أتى بما يناسب ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك .
وفيه رد على المتكلفين من الجهمية ونحوهم ممن يرى أن كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها ولها معان غير ما يفهم منها ، فإذا -على قولهم- لا يكون القرآن أحسن تفسيرا من غيره ، وإنما التفسير الأحسن -على زعمهم- تفسيرهم الذي حرفوا له المعاني تحريفا .
وقوله - سبحانه - : { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }
أى : سر أيها الرسول الكريم فى طريقك ، وبلغ ما أنزلناه إليك ، ولا تلتفت إلى مقترحات المشركين وأباطيلهم ، فإنهم لا يأتونك بمثل ، أى : بكلام عجيب هو مثل فى التهافت والفساد للطعن فى نبوتك " إلا جئناك " فى مقابلته بالجواب " الحق " الثابت الصادق الذى يزهق باطلهم ، وبما هو أحسن تفسيرا وبيانا من مثلهم وشبهاتهم :
والاستثناء مفرغ من عموم الأحوال . أى : ولا يأتونك فى حال من الأحوال بمثل للطعن فى نبوتك ، إلا جئناك وسلحناك بما يزهق أمثالهم وشبههم ، فسر فى طريقك - أيها الرسول الكريم - فإنك على الحق المبين .
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة من أعظم الآيات لتشجيع النبى صلى الله عليه وسلم على تبليغ دعوته ، بدون اكتراث بما يثيره المشركون حوله من شبهات .
{ وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } أي : بحجة وشبهة { إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } أي : ولا يقولون قولا يعارضون به الحق ، إلا أجبناهم{[21514]} بما هو الحق في نفس الأمر ، وأبين وأوضح وأفصحُ من مقالتهم .
قال{[21515]} سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } أي : بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول { إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } أي : إلا نزل جبريل مِنَ الله بجوابهم .
ثم في هذا اعتناء كبير ؛ لشرف الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه{[21516]} ، حيث كان يأتيه الوحي من الله بالقرآن صباحا ومساء ، ليلا ونهارا ، سفرا وحضرا ، فكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن كإنزال كتاب مما قبله من الكتب المتقدمة ، فهذا المقام أعلى{[21517]} وأجلُّ ، وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله ، ومحمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، أعظم نبي أرسله الله وقد جمع الله تعالى للقرآن الصفتين معا ، ففي الملأ الأعلى أنزل جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا{[21518]} ثم نزل بعد ذلك إلى الأرض منجما بحسب الوقائع والحوادث .
قال أبو عبد الرحمن النسائي : أخبرنا أحمد بن سليمان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا داود ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة ، قال : { وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } ، وقوله { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلا } [ الإسراء : 106 ]{[21519]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.