{ 50 - 51 } { إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ * قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
يقول تعالى مبينا أن المنافقين هم الأعداء حقا ، المبغضون للدين صرفا : { إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ } كنصر وإدالة على العدو { تَسُؤْهُمْ } أي : تحزنهم وتغمهم .
{ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ } كإدالة العدو عليك { يَقُولُوا } متبجحين بسلامتهم من الحضور معك .
{ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ } أي : قد حذرنا وعملنا بما ينجينا من الوقوع في مثل هذه المصيبة .
{ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ } فيفرحون بمصيبتك ، وبعدم مشاركتهم إياك فيها .
وقوله : { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ . . } بيان لنوع آخر من خبث نواياهم ، وسوء بواطنهم .
أى : " إن تصبك " يا محمد حسنة من نصر أو نعمة أو غنيمة - كما حدث يوم بدر - " تسؤهم " تلك الحسنة ، وتورثهم حزنا وغما ، بسبب شدة عداوتهم لك ولأصحابك .
{ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ } من هزيمة أو شدة - كما حدث يوم أحد - " يقولوا " باختيال وعجب وشماتة { يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ } .
أى : قد تلافينا ما يهمنا من الأمر بالحزم والتيقظ ، من قبل وقوع المصيبة التي حلت بالمسلمين ، ولم نلق بأيدينا إلى التهلكة كما فعل هؤلاء المسلمون .
وقوله : { وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } تصوير لحالهم ، ولما جبلوا عليه من شماتة بالملسمين .
أى : عندما تصيب المسلمين مصيبة أو مكروه ، ينصرف هؤلاء المنافقون إلى أهليهم وشيعتهم - والفرح يملأ جوانحهم - ليبشروهم بما نزل بالمسلمين من مكروه .
قال الجمل : فإن قلت : فلم قابل الله الحسنة بالمصيبة ، ولم يقابلها بالسيئة كما قال في سورة آل عمران : { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } قلت : لأن الخطاب هنا للنبى - صلى الله عليه وسلم - وهى في حقه مصيبة يثاب عليها ، ولا سيئة يعاتب عليها ، والتى في آل عمران خطاب للمؤمنين .
{ إن تُصبك } في بعض غزواتك . { حسنة } ظفر وغنيمة . { تسُؤهم } لفرط حسدهم . { وإن تصبك } في بعضها . { مصيبة } كسر أو شدة أو كما أصاب يوم أحد . { يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل } تبجحوا بانصرافهم واستحمدوا رأيهم في التخلف . { ويتولّوا } عن متحدثهم بذلك ومجتمعهم له ، أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم . { وهم فرحونج مسرورون .
تتنزل هذه الجملة منزلة البيان لجملة { إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون } [ التوبة : 45 ] ، وما بين الجملتين استدلال على كذبهم في ما اعتذروا به وأظهروا الاستيذان لأجله ، وبُيِّن هنا أن تردّدهم هو أنّهم يخشون ظهور أمر المسلمين ، فلذلك لا يصارحونهم بالإعراض ويودّون خيبة المؤمنين ، فلذلك لا يحبّون الخروج معهم .
والحسنة : الحَادثة التي تحسُن لمن حلَّت به واعترتْه . والمراد بها هنا النصر والغنيمة .
والمصيبة مشتقّة من أصاب بمعنى حَلَّ ونال وصادف ، وخصت المصيبة في اللغة بالحادثة التي تعتري الإنسان فتسُوءه وتُحزنه . ولذلك عبّر عنها بالسيئة في قوله تعالى ، في سورة آل عمران ( 120 ) : { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } والمراد بها الهزيمة في الموضعين ، وقد تقدّم ذلك في قوله تعالى : { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } في سورة الأعراف ( 95 ) .
وقولهم : { قد أخذنا أمرنا من قبل } ابتهاج منهم بمصادفة أعمالهم ما فيه سلامتهم فيزعمون أنّ يقظَتهم وحزمهم قد صادفا المحَز ، إذ احتاطوا له قبل الوقوع في الضرّ .
والأخذُ حقيقته التناول ، وهو هنا مستعار للاستعداد والتلافي .
والأمر الحال المهمّ صاحبه ، أي : قد استعددنا لما يهمّنا فلم نقع في المصِيبة .
والتولّي حقيقته الرجوع ، وتقدم في قوله تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض } في سورة البقرة ( 205 ) . وهو هنا تمثيل لحالهم في تخلّصهم من المصيبة ، التي قد كانت تحل بهم لو خرجوا مع المسلمين ، بحال من أشرفوا على خطر ثم سلموا منه ورجعوا فارحين مسرورين بسلامتهم وبإصابة أعدائهم .