التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{إِن تُصِبۡكَ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡۖ وَإِن تُصِبۡكَ مُصِيبَةٞ يَقُولُواْ قَدۡ أَخَذۡنَآ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمۡ فَرِحُونَ} (50)

تتنزل هذه الجملة منزلة البيان لجملة { إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون } [ التوبة : 45 ] ، وما بين الجملتين استدلال على كذبهم في ما اعتذروا به وأظهروا الاستيذان لأجله ، وبُيِّن هنا أن تردّدهم هو أنّهم يخشون ظهور أمر المسلمين ، فلذلك لا يصارحونهم بالإعراض ويودّون خيبة المؤمنين ، فلذلك لا يحبّون الخروج معهم .

والحسنة : الحَادثة التي تحسُن لمن حلَّت به واعترتْه . والمراد بها هنا النصر والغنيمة .

والمصيبة مشتقّة من أصاب بمعنى حَلَّ ونال وصادف ، وخصت المصيبة في اللغة بالحادثة التي تعتري الإنسان فتسُوءه وتُحزنه . ولذلك عبّر عنها بالسيئة في قوله تعالى ، في سورة آل عمران ( 120 ) : { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } والمراد بها الهزيمة في الموضعين ، وقد تقدّم ذلك في قوله تعالى : { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } في سورة الأعراف ( 95 ) .

وقولهم : { قد أخذنا أمرنا من قبل } ابتهاج منهم بمصادفة أعمالهم ما فيه سلامتهم فيزعمون أنّ يقظَتهم وحزمهم قد صادفا المحَز ، إذ احتاطوا له قبل الوقوع في الضرّ .

والأخذُ حقيقته التناول ، وهو هنا مستعار للاستعداد والتلافي .

والأمر الحال المهمّ صاحبه ، أي : قد استعددنا لما يهمّنا فلم نقع في المصِيبة .

والتولّي حقيقته الرجوع ، وتقدم في قوله تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض } في سورة البقرة ( 205 ) . وهو هنا تمثيل لحالهم في تخلّصهم من المصيبة ، التي قد كانت تحل بهم لو خرجوا مع المسلمين ، بحال من أشرفوا على خطر ثم سلموا منه ورجعوا فارحين مسرورين بسلامتهم وبإصابة أعدائهم .