الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِن تُصِبۡكَ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡۖ وَإِن تُصِبۡكَ مُصِيبَةٞ يَقُولُواْ قَدۡ أَخَذۡنَآ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمۡ فَرِحُونَ} (50)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر عنهم وعن المتخلفين بغير عذر، فقال: {إن تصبك حسنة تسؤهم}، يعني الغنيمة في غزاتك يوم بدر تسوءهم، {وإن تصبك مصيبة} بلاء من العدو يوم أحد، وهزيمة وشدة، {يقولوا قد أخذنا أمرنا} في القعود {من قبل} أن تصبك مصيبة، {ويتولوا وهم فرحون} لما أصابك من شدة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن يصبك سرور بفتح الله عليك أرض الروم في غزاتك هذه يسؤ الجدّ بن قيس ونظراءه وأشياعه من المنافقين، وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك فيها يقول الجدّ ونظراؤه:"قَدْ أخَذَنا أمْرَنَا مِنْ قبلُ" أي قد أخذنا حذرنا بتخلفنا عن محمد وترك اتباعه إلى عدوّه، "مِنْ قَبْلُ "يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة. "وَيَتَوَلّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ" يقول: ويرتدوا عن محمد، وهم فرحون بما أصاب محمدا وأصحابه من المصيبة بفلول أصحابه وانهزامهم عنه وقَتْل من قُتِل منهم...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

هكذا صفة الحسود، يتصاعد أنينُ قلبه عند شهود الحسنى، ولا يَسُرُّ قلبَه غيرُ حلولِ البلوى، ولا دواءَ لجروح الحسود؛ فإنه لا يرضى بغير زوال النعمة ولذا قالوا:

كلُّ العداوةِ قد تُرْجَى إماتَتُها *** إلا عداوةَ مَنْ عاداك من حَسَدِ. وإنَ اللهَ تعالى عَجَّلَ عقوبةَ الحاسد، وذلك: حزنُ قلبِه بسلامة محسوده؛ فالنعمة للمحسود نقد، والوحشة للحاسد نقد...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

...و {يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا} أي أمرنا الذي نحن متسمون به، من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم {مِن قَبْلُ} من قبل ما وقع. وتولوا عن مقام التحدّث بذلك والاجتماع له إلى أهاليهم {وَّهُمْ فَرِحُونَ}: مسرورون. وقيل: تولوا: أعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله تعالى: {إن تصبك حسنة} الآية، أخبر تعالى عن معتقدهم وما هم عليه، و «الحسنة» هنا بحسب الغزوة هي الغنيمة والظفر، و «المصيبة» الهزم والخيبة، واللفظ عام بعد ذلك في كل محبوب ومكروه، ومعنى قوله: {قد أخذنا أمرنا من قبل}، أي حزمنا نحن في تخلفنا ونظرنا لأنفسنا.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{إن تصبك حسنة تسؤهم} المتبادر أن هذا إخبار عن شأنهم في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، والحسنة كل ما يحسن وقعه ويسر من غنيمة ونصرة ونعمة، أي أنه يسوءهم كل ما يسرك، كما ساءهم النصر في بدر وغير بدر من الغزوات. {وإن تصبك مصيبة} أي نكبة وشدة كالذي وقع في غزوة أحد. {يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل} أي قد أخذنا أمرنا بالحزم والحذر الذي هو دأبنا من قبل وقوعها إذ تخلفنا عن القتال، ولم نلق بأيدينا إلى الهلاك. {ويتولوا وهم فرحون} أي وينصرفوا عن الموضع الذي يقولون فيه هذا القول عند بلوغهم خبر المصيبة إلى أهليهم، أو يعرضوا عنك بجانبهم وهم فرحون فرح البطر والشماتة.

وتقدم في معنى الآية قوله: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم} [آل عمران: 120] وهي في سياق غزوة أحد. وقد ورد في التفسير المأثور ما يدل على أن الآية خبر عن مستقبل الأمر في غزوة تبوك.

وروى ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا في المدينة يخبرون عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار السوء، يقولون: إن محمداً وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا، فبلغهم تكذيب خبرهم وعافية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فساءهم ذلك، فأنزل الله تعالى: {إن تصبك حسنة تسؤهم}. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: إن أظفرك الله وردك سالماً ساءهم ذلك، وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا في القعود قبل أن تصيبهم. والأول أبلغ وهو يشمل هذا وغيره...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إنهم لا يريدون بالرسول خيراً ولا بالمسلمين؛ وإنهم ليسوؤهم أن يجد الرسول والمسلمون خيراً: (إن تصبك حسنة تسؤهم).. وإنهم ليفرحون لما يحل بالمسلمين من مصائب وما ينزل بهم من مشقة: (وإن تصبك مصيبة يقولوا: قد أخذنا أمرنا من قبل).. واحتطنا ألا نصاب مع المسلمين بشرّ، وتخلفنا عن الكفاح والغزو! (ويتولوا وهم فرحون).. بالنجاة وبما أصاب المسلمين من بلاء...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تتنزل هذه الجملة منزلة البيان لجملة {إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون} [التوبة: 45]، وما بين الجملتين استدلال على كذبهم في ما اعتذروا به وأظهروا الاستئذان لأجله، وبُيِّن هنا أن تردّدهم هو أنّهم يخشون ظهور أمر المسلمين، فلذلك لا يصارحونهم بالإعراض ويودّون خيبة المؤمنين، فلذلك لا يحبّون الخروج معهم.

والحسنة: الحَادثة التي تحسُن لمن حلَّت به واعترتْه. والمراد بها هنا النصر والغنيمة.

والمصيبة مشتقّة من أصاب بمعنى حَلَّ ونال وصادف، وخصت المصيبة في اللغة بالحادثة التي تعتري الإنسان فتسُوءه وتُحزنه. ولذلك عبّر عنها بالسيئة في قوله تعالى، في سورة آل عمران (120): {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} والمراد بها الهزيمة في الموضعين، وقد تقدّم ذلك في قوله تعالى: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة} في سورة الأعراف (95).

وقولهم: {قد أخذنا أمرنا من قبل} ابتهاج منهم بمصادفة أعمالهم ما فيه سلامتهم فيزعمون أنّ يقظَتهم وحزمهم قد صادفا المحَز، إذ احتاطوا له قبل الوقوع في الضرّ.

والأخذُ حقيقته التناول، وهو هنا مستعار للاستعداد والتلافي.

والأمر الحال المهمّ صاحبه، أي: قد استعددنا لما يهمّنا فلم نقع في المصِيبة.

والتولّي حقيقته الرجوع، وتقدم في قوله تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض} في سورة البقرة (205). وهو هنا تمثيل لحالهم في تخلّصهم من المصيبة، التي قد كانت...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

إن المنافقين لم يندمجوا في أهل الإيمان، ولم تتحد معهم مشاعرهم وأحاسيسهم، فلم يكونوا منهم، ولم يشعروا بما يشعر به أهل الإيمان، فلا يشاركونهم في سرائهم، إن أصابهم ما يسر، ولا ضرائهم إن أصابهم ما يضر، بل يناقضونهم مناقضة تامة، فما يسرهم يسوءهم وما يضرهم يسرهم، وكذلك شأن المنافقين في كل جماعة لا يشاركون في أحاسيسها، ولذا قال في وصف هذه الحال: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} أي إن ينزل بكم أمر هو حسن في ذاته، وعندكم، ويملأ نفوسكم بالسرور يكون هذا سببا لآلامهم، فسروركم مسيء لهم؛ لأنهم يريدون أن تدور عليكم الدوائر، فنصركم يوم بدر ساءهم، وكذلك يوم الأحزاب، ويوم مؤتة، إذ رضيتم من الغنيمة بالإياب أمام مأتي ألف، وأنتم ثلاثة آلاف، وقتلتم منهم مقتلة مع قلة عددكم، وإن لم تغنموا شيئا منهم. {وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ}. المصيبة مؤنث مصيب أي نازلة وشدة كارثة، وأصلها كما ترى من أصاب، ولكنها بالتاء غلبت في الشدائد والكوارث والنكبات، فإذا أصاب المؤمنين نكبة أو قرح، كما أصابهم يوم أحد، قالوا: أخذنا أمرنا، أي أننا استولينا على أمرنا من قبل فلم نعرض أنفسنا لمخاطر الحروب ونوازلها فنجونا من أن نقع فيما وقعوا فيه، وكأنهم يشمتون في المؤمنين، وقد وقع ما يتمنون، ويصفون أنفسهم بأنهم أهل الحذر، ليثيروا غضب من أطاعوا الرسول. {ويتولوا} معطوف على يقولوا، أي وينصرفون إلى أهليهم وأصحابهم يتحدثون في أمر هذه النكبة وهم في فرح بها؛ لأنها أصابت هوى في نفوسهم، ولذا قال تعالى: (وهم فرحون) أي والحال أنهم فرحون فرحا غمرهم، ويصح أن يكون تولوا بمعنى أعرضوا عن الرسول غير مقبلين عليه مظهرين خبيئة نفوسهم، وفي هذا ما يفيد أنهم جرءوا عليه، وحسبوا أن الغد لهم، وما هي إلا جولة، حتى يكون الغلب لهم، ولكن هيهات أن يكون ذلك، فالهزيمة في معركة بعدها الظفر والنصر. ولكن المؤمنين مطمئنين لما يقضي الله به تعالى لا يستطيرهم نصر، ولا يخذلهم قرح، بل إنهم يقدمون متوكلين عليه سبحانه، إن أصابتهم حسنة لم يستطيروا بها، بل يستعدون لما بعدها، وإن أصابتهم نكبة رضوا، وعلموا أن الله تعالى قد قدر لهم ما فيه خير. ولذلك قال تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

في الآيات آنفة الذكر إشارة إِلى إِحدى صفات المنافقين وعلاماتهم وبهذا تتابع البحث الذي يتناول صفات المنافقين في ذيل الآيات المتقدمة والآيات اللاحقة. تقول الآيات أوّلا: (إِن تُصبك حسنة تسؤهم). سواء كانت هذه الحسنة انتصاراً على العدوّ، أو الغنائم التي تنالونها في المعارك أو أيّ تقدّم آخر. وهذه المساءَة دليل على العداوة الباطنيّة وفقدان الإيمان. فكيف يمكن لمن له أدنى إِيمان أن يسوءه انتصار النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أي مؤمن آخر؟! ولكنّهم على خلاف هذه الحال عند الشدّة والخطب: (وإن تُصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولّوا وهم فرحون). هؤلاء المنافقون عُمي القلوب ينتهزون أيّة فرصة لصالحهم ومنافعهم، ويزعمون أن ما نالوه كان بتدبيرهم وعقلهم، إذ لم نُساهم في المعركة الفلانية ولم نقع في أيّ مأزق!! كما أُبتلي به الآخرون الذين لم يكن لهم نصيب من التعقل والتدبر، وبهذه المزاعم يعودون إلى أوكارهم وهم يكادون أن يطيروا فرحاً...