قوله تعالى : { فإذا نزل } يعني : العذاب ، { بساحتهم } قال مقاتل : بحضرتهم . وقيل : بفنائهم . قال الفراء : العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم ، { فساء صباح المنذرين } فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا بالعذاب .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، أخبرنا مالك ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر ، أتاها ليلاً ، وكان إذا جاء قوماً بليل لم ينزل حتى يصبح ، قال :فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيها ومكاتلها ، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : محمد والله ، محمد والخميس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " .
ثم بين - سبحانه - حالهم عندما ينزل بهم هذا العذاب الذى استعجلوا نزوله ، فقال : { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ المنذرين } . : والساحة فى الأصل تطلق على الفتاء الواسع للدار والمراد بها هنا القوم الذين يكونون فيها والمخصوص بالذم محذوف .
أى : فإذا نزل العذاب بهؤلاء المشركين ، فبئس الصباح صباحهم . ولن ينفعهم حينئذ ندم أو توبة ، وخص الصباح بالذكر ، لأن العذاب كان يأتيهم فيه فى الغالب .
أخرج الشيخان عن أنس ، رضى الله عنه . قال : " صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، فلما خرجوا بفئوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش ، رجعوا يقولون : محمد والله ، محمد والخميس - أى : والجيش فقال صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " " .
قال الله تعالى : { فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ } أي : فإذا نزل العذاب بمحلتهم ، فبئس ذلك اليوم يومهم ، بإهلاكهم ودمارهم .
قال السدي : { فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ } يعني : بدارهم ، { فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ } أي : فبئس ما يصبحون ، أي : بئس الصباح صباحهم ؛ ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث إسماعيل بن عُلَيَّةَ ، عن عبد العزيز بن صُهَيْب ، عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : صَبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، فلما خرجوا بفؤوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش ، رجعوا وهم يقولون : محمد والله ، محمد والخميس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " ورواه البخاري من حديث مالك ، عن حُميد ، عن أنس .
وقال الإمام أحمد : حدثنا رَوح ، حدثنا سعيد بن أبي عَرُوَبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن أبي طلحة قال : لما صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، وقد أخذوا مساحيهم وغَدَوا إلى حروثهم وأرضيهم ، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ولوا مدبرين ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، الله أكبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " لم يخرجوه من هذا الوجه ، وهو صحيح على شرط الشيخين .
وقوله : ( فإذَا نَزَلَ بساحَتِهِمْ ) : يقول : فإذا نزل بهؤلاء المشركين المستعجلين بعذاب الله العذاب . العرب تقول : نزل بساحة فلان العذاب والعقوبة ، وذلك إذا نزل به والساحة : هي فناء دار الرجل ، فَساءَ ( صَباحُ المُنْذَرِينَ ) : يقول : فبئس صباح القوم الذين أنذرهم رسولنا نزول ذلك العذاب بهم فلم يصدّقوا به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد قال حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : ( فإذَا نَزَلَ بساحَتِهِمْ ) : قال : بدارهم ، ( فَساءَ صَباحُ المُنْذَرِينَ ) : قال : بئس ما يصبحون .
{ فإذا نزل بساحتهم } فإذا نزل العذاب بفنائهم ، شبهه بجيش هجمهم فأناخ بفنائهم بغتة ، وقيل الرسول وقرئ " نزل " على إسناده إلى الجار والمجرور و " نزل " أي العذاب . { فساء صباح المنذرين } فبئس صباح المنذرين صباحهم ، واللام للجنس وال { صباح } مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ، ولما كثر فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر .
وقرأ جمهور الناس «فإذا نَزَل بساحتهم » على بناء الفعل للفاعل أي نزل العذاب ، وقرأ ابن مسعود «نُزِل بساحتهم » على بنائه للمفعول ، والساحة الفناء ، والعرب تستعمل هذه اللفظة فيما يرد على الإنسان من خير أو شر ، وسوء الصباح أيضاً مستعمل في ورود الغارات والرزايا ، ونحو ذلك ومنه قول الصارخ : يا صباحاه ! كأنه يقول قد ساء لي الصباح فأغيثوني ، وقرأ ابن مسعود «فبئس صباح » .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{المنذرين}: الذين أنذروا العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فإذَا نَزَلَ بساحَتِهِمْ": يقول: فإذا نزل بهؤلاء المشركين المستعجلين بعذاب الله العذاب. العرب تقول: نزل بساحة فلان العذاب والعقوبة، وذلك إذا نزل به والساحة: هي فناء دار الرجل.
"فَساءَ صَباحُ المُنْذَرِينَ": يقول: فبئس صباح القوم الذين أنذرهم رسولنا نزول ذلك العذاب بهم فلم يصدّقوا به.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل النزول بهم والوقوع عليهم، كقوله عز وجل: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله} [الرعد: 31] في نزوله بهم.
{فإذا نزل بساحتهم فساء صباحُ المنذرين}؛ لأن ذلك العذاب إذا حل بهم صيّرهم معذَّبين في النار أبد الآبدين.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالساحة ناحية الدار وهو فناؤها، وهو الفناء الواسع؛ فلذلك وصف بأنه نازل به العذاب لعظمه، ولا يسعه إلا الساحة ذات الفناء الواسع.
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
قال الفراء: العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
الساحة الفناء، والعرب تستعمل هذه اللفظة فيما يرد على الإنسان من خير أو شر. وسوء الصباح أيضاً مستعمل في ورود الغارات والرزايا، ونحو ذلك، ومنه قول الصارخ: يا صباحاه! كأنه يقول قد ساء لي الصباح فأغيثوني...
إنما وقع هذا التعبير عن هذه المعاني، كأنهم كانوا يقدمون على العادة في وقت الصباح، فجعل ذكر ذلك الوقت كناية عن ذلك العمل...
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
مقصد الآية التهديد بعذاب يحل بهم بعد أن أنذروا فلم ينفعهم الإنذار...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما علم من هذا أنه لا بشرى لهم يوم حلوله، ولا قرار عند نزوله، صرح بذلك في قوله: {فإذا} أي هددناهم وأنكرنا عليهم بسبب أنه إذا.
{نزل بساحتهم} أي غلب عليها؛ لأن ذلك شأن النازل بالشيء من غير إذن صاحبه ولا يغلب عليها إلا وقد غلب على أهلها فبرك عليهم بروكاً لا يقدرون معه على البروز إلى تلك الساحة، وهي الفناء الخالي من الأبنية؛ كأنه متحدث القوم وموضع راحتهم في أي وقت كان بروكه من ليل أو نهار، ولكن لما كانت عادتهم الإغارة صباحاً، قال على سبيل التمثيل مشيراً بالفاء إلى أنه السبب لا غيره: {فساء صباح المنذرين} أي الذين هم أهل للتخويف من هؤلاء وغيرهم، وهذا التهديد لا يصلح لأن ينطبق على يوم الفتح، ولقد صار من لم يتأهل لغير الإنذار فيه في غاية السوء، وهم الذين قتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، ومنهم من تعلق بأستار الكعبة فلم يفده ذلك، ولكنهم كانوا قليلاً، والباقون إن كان ذلك الصباح على ما ساءهم منظره فلقد سرهم لعمر الله مخبره...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
لأنه صباح الشر والعقوبة، والاستئصال...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الفاء في قوله: {فإذَا نزل بساحتهم} فاء الفصيحة، أي إن كانوا يستعجلون بالعذاب فإذا نزل بهم فبئس وقت نزوله.
وإسناد النزول إلى العذاب وجعله في ساحتهم استعارة تمثيلية مكنية، شبهت هيئة حصول العذاب لهم بعد ما أُنذروا به فلم يعبأوا، بهيئة نزول جيش عدوّ في ساحتهم بعد أن أنذرهم به النذير العريان فلم يأخذوا أُهبتهم حتى أناخ بهم.
وذكر الصباح لأنه من علائق الهيئة المشبه بها؛ فإن شأن الغارة أن تكون في الصباح ولذلك كان نذير المجيء بغارة عدوّ ينادي: يا صباحاه نداء ندبة وتفجع...
وفي وصفهم ب {المُنْذَرِينَ} ترشيح للتمثيل وتورية في اللفظ؛ لأن المشبهين منذرون من الله بالعذاب، والذين يسوء صباحهم عند الغارة هم المهزومون فكأنه قيل: فإذا نزل بساحتهم كانوا مغلوبين.
واعلم أن في اختيار هذا التمثيل البديع معنى بديعاً من الإِيماء إلى أن العذاب الذي وُعِدوه هو ما أصابهم يوم بدر من قَتل وأسر على طريقة التورية...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
استخدام عبارة (ساحة) والتي تعني فناء البيت أو الفضاء الموجود في وسط البيت جاء ليجسّم لهم نزول العذاب في وسط حياتهم، وكيف أنّ حياتهم الطبيعيّة ستتحوّل إلى حياة موحشة ومضطربة.
عبارة (صباح المنذرين)... كلّ الناس ينتظرون أن يبدأ صباحهم بالخير والإحسان، إلاّ أنّ هؤلاء ينتظرهم صباح حالك الظلمة، أو أنّها تعني وقت الاستيقاظ في الصباح، أي إنّهم يستيقظون في وقت لم يبق لهم فيه أي طريق للنجاة من العذاب.