وقوله : { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ . . } بدل أو عطف بيان من قوله { مِّثْلَ يَوْمِ الأحزاب } .
والدأب : العادة الدائمة المستمرة يقال : دأب فلان على كذا . إذا داوم عليه وجد فيه ، ثم غلب استعماله فى الحال والشأن والعادة .
أى : أخاف عليكم أن يكون حالكم وشأنكم كحال قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم كقوم لوط ، فهؤلاء الأقوام كذبوا أنبياءهم فدمرهم الله - تعالى - تدميرا ، فاحذروا أن تسيروا على نهجهم بأن تقصدوا موسى - عليه السلام - بالقتل أو الإِيذاء ، فينزل بكم العذاب مثل ما نزل بهم .
{ وَمَا الله } - تعالى - { يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } أى : فما أنزله - سبحانه - بهم من عذاب ، إنما هو بسبب إصرارهم على شركهم . وعلى الإِعراض عن دعوة أنبيائهم ، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد} فيعذب على غير ذنب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ" يقول: يفعل ذلك بكم فيهلككم مثل سنته في قوم نوح وعاد وثمود وفعله بهم...
وقوله: "وَالّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ "يعني قوم إبراهيم، وقوم لوط، وهم أيضا من الأحزاب...
وقوله: "وَما اللّهُ يُرِيدُ ظُلْما للْعِبادِ" يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه: وما أهلك الله هذه الأحزاب من هذه الأمم ظلما منه لهم بغير جرم اجترموه بينهم وبينه، لأنه لا يريد ظلم عباده، ولا يشاؤه، ولكنه أهلكهم بإجرامهم وكفرهم به، وخلافهم أمره.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
لما حكى الله تعالى عن مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بالعذاب مثل عذاب يوم الأحزاب، فسر ذلك فقال (مثل دأب قوم نوح) يعني كعادته مع قوم نوح. والدأب: العادة يقال: دأب يدأب دأبا فهو دائب في عمله إذا استمر فيه. والعادة: تكرر الشيء مرة بعد مرة. وإنما فعل بهم ذلك حين كفروا به.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ} يعني: أن تدميرهم كان عدلاً وقسطاً، لأنهم استوجبوه بأعمالهم، وهو أبلغ من قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] حيث جعل المنفى إرادة الظلم؛ لأنّ من كان عن أرادة الظلم بعيداً، كان عن الظلم أبعد وحيث نكر الظلم، كأنه نفى أن يريد ظلماً ما لعباده...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان هؤلاء أقوى الأمم، اكتفى بهم وأجمل من بعدهم فقال: {والذين} وأشار بالجار إلى التخصيص بالعذاب لئلا يقال: هذه عادة الدهر، فقال: {من بعدهم} أي بالقرب من زمانهم لا جميع من جاء بعدهم.
{يريد ظلماً} أي يتجدد منه أن يعلق إرادته وقتاً ما بنوع ظلم.
{للعباد *} لأن أحدا لا يتوجه أبداً إلى أنه يظلم عبيده الذين هم تحت قهره، وطوع مشيئته وأمره، ومتى لم يعرفوا حقه وأرادوا البغي على من يعرف حقه عاقبهم ولا بد، وإلا كان كفه ظلماً للمبغي عليهم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا يقتضي أن القبط كانوا على علم بما حلّ بقوم نوح وعاد وثمود، فأما قوم نوح فكان طوفانهم مشهوراً، وأما عاد وثمود فلقرب بلادهم من البلاد المصرية وكان عظيماً لا يخفى على مجاوريهم.
وجملة {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمَاً لِلْعِبَادِ} معترضة، والواو اعتراضية وهي اعتراض بين كلاميه المتعاطفين، أي أخاف عليكم جزاءً عادلاً من الله وهو جزاء الإشراك. والظلم يطلق على الشرك {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]، ويطلق على المعاملة بغير الحق، وقد جمع قوله: {وما الله يريد ظلماً للعباد} نفي الظلم بمعنييه على طريقة استعمال المُشترك في معنييه.
وكذلك فعل {يريد} يطلق بمعنى المشيئة كقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} [المائدة: 6] ويطلق بمعنى المحبة كقوله: {ما أريد منهم من رزق} [الذاريات: 57]، فلما وقع فعل الإِرادة في حيّز النفي اقتضى عموم نفي الإِرادة بمعنييها على طريقة استعمال المشترك في معنييه، فالله تعالى لا يحب صدور ظلم من عباده ولا يشاء أن يَظلِم عبادَه.
وأول المعنيين في الإِرادة وفي الظلم أعلق بمقام الإِنذار، والمعنى الثاني تابع للأَول لأنه يدل على أن الله تعالى لا يترك عقاب أهل الشرك لأنه عَدْل، لأن التوعد بالعقاب على الشرك والظلمِ أقوى الأسباب في إقلاع الناس عنه، وصدق الوعيد من متممات ذلك مع كونه مقتضى الحكمة لإِقامة العدل...
ثم بعد ذلك يُفصل ما أجملته كلمة الأحزاب: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ} يعني: لم يأخذهم هذه الأَخْذة ظلماً لهم، وكلمة (لِلعبَادِ) يعني: كيف يظلمهم وهم عباده وصنعته، إنما أخذهم جزاءَ أفعالهم وتكذيبهم لرسلهم ليكونوا عبرة واقعية في الكون يعتبر بها كل مَنْ يعارض منهج الحق.