نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{مِثۡلَ دَأۡبِ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعِبَادِ} (31)

ولما أجمل فصل وبين أو بدل بعد أن هول ، فقال بادئاً بمن كان عذابهم مثل عذابهم ، ودأبهم شبيهاً بدأبهم : { مثل دأب } أي عادة { قوم نوح } أي فيما دهمهم من الهلاك الذي محقهم فلم يطيقوه مع ما كان فيهم من قوة المحاولة والمقاومة لما يريدونه { وعاد وثمود } مع ما بلغكم من جبروتهم . ولما كان هؤلاء أقوى الأمم ، اكتفى بهم وأجمل من بعدهم فقال : { والذين } وأشار بالجار إلى التخصيص بالعذاب لئلا يقال : هذه عادة الدهر ، فقال : { من بعدهم } أي بالقرب من زمانهم لا جميع من جاء بعدهم .

ولما كان التقدير : أهلكهم الله وما ظلمهم ، عبر عنه تعميماً مقروناً بما تضمنه من الخبر بدليله فقال : { وما الله } أي الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال . ولما كان في مقام الوعظ لهم ومراده ردهم عن غيهم بكل حال ، علق الأمر بالإرادة لأنها متى ارتفعت انتفى الظلم ، ونكر تعميماً فقال : { يريد ظلماً } أي يتجدد منه أن يعلق إرادته وقتاً ما بنوع ظلم { للعباد * } لأن أحدا لا يتوجه أبداً إلى أنه يظلم عبيده الذين هم تحت قهره ، وطوع مشيئته وأمره ، ومتى لم يعرفوا حقه وأرادوا البغي على من يعرف حقه عاقبهم ولا بد ، وإلا كان كفه ظلماً للمبغي عليهم .