{ نزاعةً للشوى } قرأ حفص عن عاصم { نزاعةً } نصب على الحال والقطع ، وقرأ الآخرون بالرفع أي هي نزاعة للشوى ، وهي الأطراف : اليدان والرجلان ، وسائر الأطراف . قال مجاهد : لجلود الرأس . وروى إبراهيم بن المهاجر عنه : اللحم دون العظام . قال مقاتل : تنزع النار الأطراف فلا تترك لحماً ولا جلداً . وقال الضحاك : تنزع الجلد واللحم عن العظم . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : العصب والعقب . وقال الكلبي : لأم الرأس ، تأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان ، ثم تعود لأكله فتأكله ، فذلك دأبها . وقال قتادة : لمكارم خلقه وأطرافه . قال أبو العالية : لمحاسن وجهه . وقال ابن جرير :{ للشوى } : جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلاً ، يقال : رمى فأشوى إذا أصاب الأطراف ولم يصب المقتل .
والتى من صفاتها كونها { نَزَّاعَةً للشوى }
أى : قلاعة لجلدة الرأس وأطراف البدن ، كاليد والرجل ، ثم تعود هذه الجلدة والأطراف كما كانت .
فقوله : { نَزَّاعَةً } صيغة المبالغة من النزع بمعنى القلع والفصل . والشوى : جمع شواة - بفتح الشين - ، وهى من جوارح الإِنسان ما لم يكن مقتلا ، مثل اليد والرجل . والجمع باعتبار ما لكل أحد من جوارح وأطراف . يقال : فلان رمى فأشوى ، إذا لم يصب مقتلا ممن رماه .
وبينما المجرم في هذه الحال ، يتمنى ذلك المحال ، يسمع ما ييئس ويقنط من كل بارقة من أمل ، أو كل حديث خادع من النفس . كما يسمع الملأ جميعا حقيقة الموقف وما يجري فيه :
كلا ! إنها لظى . نزاعة للشوى . تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى . .
إنه مشهد تطير له النفس شعاعا ، بعد ما أذهلها كرب الموقف وهوله . . ( كلا ! )في ردع عن تلك الأماني المستحيلة في الافتداء بالبنين والزوج والأخ والعشيرة ومن في الأرض جميعا . . ( كلا ! إنها لظى )نار تتلظى وتتحرق( نزاعة للشوى )تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا . . وهي غول مفزعة . ذات نفس حية تشارك في الهول والعذاب عن إرادة وقصد : تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى . . تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر ويتولى . ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يملك أن يدبر ويتولى ! ولقد كان من قبل مشغولا عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الأوعية ! فأما اليوم فالدعوة من جهنم لا يملك أن يلهو عنها . ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كله منها !
والتوكيد في هذه السورة والسورة السابقة قبلها وفي سورة القلم كذلك على منع الخير ، وعدم الحض على طعام المسكين ، وجمع المال في الأوعية إلى جانب الكفر والتكذيب والمعصية . . هذا التوكيد يدل على أن الدعوة كانت تواجه في مكة حالات خاصة يجتمع فيها البخل والحرص والجشع إلى الكفر والتكذيب والضلالة . مما اقتضى تكرار الإشارة إلى هذا الأمر ، والتخويف من عاقبته ، بوصفه من موجبات العذاب بعد الكفر والشرك بالله .
وفي هذه السورة إشارات أخرى تفيد هذا المعنى ، وتؤكد ملامح البيئة المكية التي كانت تواجهها الدعوة . فقد كانت بيئة مشغولة بجمع المال من التجارة ومن الربا . وكان كبراء قريش هم أصحاب هذه المتاجر ، وأصحاب القوافل في رحلتي الشتاء والصيف . وكان هنالك تكالب على الثراء ، وشح النفوس يجعل الفقراء محرومون ، واليتامى مضيعين . ومن ثم تكرر الأمر في هذا الشأن وتكرر التحذير . وظل القرآن يعالج هذا الجشع وهذا الحرص ؛ ويخوض هذه المعركة مع الجشع والحرص في أغوار النفس ودروبها قبل الفتح وبعده على السواء . مما هو ظاهر لمن يتتبع التحذير من الربا ، ومن أكل أموال الناس بالباطل ، ومن أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا ! ومن الجور على اليتيمات واحتجازهن للزواج الجائر رغبة في أموالهن ! ومن نهر السائل ، وقهر اليتيم ، ومن حرمان المساكين . . . إلى آخر هذه الحملات المتتابعة العنيفة الدالة على الكثير من ملامح البيئة . فضلا على أنها توجيهات دائمة لعلاج النفس الإنسانية في كل بيئة . وحب المال ، والحرص عليه ، وشح النفس به ، والرغبة في احتجانه ، آفة تساور النفوس مساورة عنيفة ، وتحتاج للانطلاق من إسارها والتخلص من أوهاقها ، والتحرر من ربقتها ، إلى معارك متلاحقة ، وإلى علاج طويل !
وقال العوفي ، عن ابن عباس : { نزاعَةً لِلشَّوَى } الجلود والهام . وقال مجاهد : ما دون العظم من اللحم . وقال سعيد بن جبير : العصب . والعقب . وقال أبو صالح : { نزاعَةً لِلشَّوَى } يعني : أطراف اليدين والرجلين . وقال أيضا : نزاعة لحم الساقين . وقال الحسن البصري ، وثابت البناني : { نزاعَةً لِلشَّوَى } أي : مكارم وجهه . وقال الحسن أيضا : تحرق كل شيء فيه ، ويبقى فؤاده يصيح . وقال قتادة : { نزاعَةً لِلشَّوَى } أي : نزاعة لهامته ومكارم وَجهه وخَلْقَه وأطرافه . وقال الضحاك : تبري اللحم والجلد عن العظم ، حتى لا تترك منه شيئًا . وقال ابن زيد : الشوى : الآراب العظام . فقوله : نزاعة ، قال : تقطع عظامهم ، ثم يُجَدد خلقهم وتبدل جلودهم .
و : «الشوى » جلد الإنسان ، وقيل جلد الرأس الهامة ، قاله الحسن . ومنه قول الأعشى : [ مجزوء الكامل ]
قالت قتيلة ما له*** قد جللت شيباً شواته{[11321]}
ورواه أبو عمرو بن العلاء سراته فلا شاهد في البيت على هذه الرواية . قال أبو عبيدة : سمعت أعرابياً يقول اقشعرت شواتي ، و «الشوى » أيضاً : قوائم الحيوان ، ومنه عبل الشوى{[11322]} ، و «الشوى » أيضاً : كل عضو ليس بمقتل ، ومنه رمى فأشوى إذا لم يصب المقتل ، ومنه " رمى الشوى " {[11323]} إذا لم يصب المقتل ، وقال ابن جرير : «الشوى » العصب والعقب ، فنار لظى تذهب هذا من ابن آدم وتنزعه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
تنزع النار الهامة والأطراف فلا تبقى.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظَى: إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن والشّوَى: جمع شواة، وهي من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلاً، يقال: رمى فأشوى: إذا لم يصب مَقْتلاً، فربما وصف الواصف بذلك جلدة الرأس، وربما وصف بذلك الساق، وأصل ذلك كله ما وصفت... عن مجاهد، قوله:"نَزّاعَةً للشّوَى "قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله: نَزّاعَةً للشّوَى فلم يخبر، فسألت عنها مجاهدا، فقلت: اللحم دون العظم؟ فقال: نعم...
عن قتادة، قوله: "نزّاعَةً للشّوَى": أي نزّاعة لهامته ومكارم خَلْقِهِ وأطرافه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
والشوى: قيل: هي مكارم خلقه، وقيل: هي القوائم والأطراف وقيل: هي الجلود. والأصل أن نار جهنم تعمل بأصحابها كل قبيح وكل مستبشع وكل مستفظع. فإن شئت صرفت ذلك إلى الأرجل، وإن شئت إلى الجلود، وإن شئت إلى مكارم الأخلاق، لأن التقبيح في كل ذلك موجود... وما من شيء يستبشع ويستفظع إلا وذلك في أهل النار موجود.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معنى" نزاعة "كثيرة النزع، وهو اقتلاع عن شدة. والاقتلاع أخذ بشدة اعتماد...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 15]
وبينما المجرم في هذه الحال، يتمنى ذلك المحال، يسمع ما ييئس ويقنط من كل بارقة من أمل، أو كل حديث خادع من النفس. كما يسمع الملأ جميعا حقيقة الموقف وما يجري فيه: كلا! إنها لظى. نزاعة للشوى. تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى.. إنه مشهد تطير له النفس شعاعا، بعد ما أذهلها كرب الموقف وهوله.. (كلا!) في ردع عن تلك الأماني المستحيلة في الافتداء بالبنين والزوج والأخ والعشيرة ومن في الأرض جميعا.. (كلا! إنها لظى) نار تتلظى وتتحرق (نزاعة للشوى) تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا.. وهي غول مفزعة. ذات نفس حية تشارك في الهول والعذاب عن إرادة وقصد: تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى.. تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر ويتولى. ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يملك أن يدبر ويتولى! ولقد كان من قبل مشغولا عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الأوعية! فأما اليوم فالدعوة من جهنم لا يملك أن يلهو عنها. ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كله منها! والتوكيد في هذه السورة والسورة السابقة قبلها وفي سورة القلم كذلك على منع الخير، وعدم الحض على طعام المسكين، وجمع المال في الأوعية إلى جانب الكفر والتكذيب والمعصية.. هذا التوكيد يدل على أن الدعوة كانت تواجه في مكة حالات خاصة يجتمع فيها البخل والحرص والجشع إلى الكفر والتكذيب والضلالة. مما اقتضى تكرار الإشارة إلى هذا الأمر، والتخويف من عاقبته، بوصفه من موجبات العذاب بعد الكفر والشرك بالله. وفي هذه السورة إشارات أخرى تفيد هذا المعنى، وتؤكد ملامح البيئة المكية التي كانت تواجهها الدعوة. فقد كانت بيئة مشغولة بجمع المال من التجارة ومن الربا. وكان كبراء قريش هم أصحاب هذه المتاجر، وأصحاب القوافل في رحلتي الشتاء والصيف. وكان هنالك تكالب على الثراء، وشح النفوس يجعل الفقراء محرومون، واليتامى مضيعين. ومن ثم تكرر الأمر في هذا الشأن وتكرر التحذير. وظل القرآن يعالج هذا الجشع وهذا الحرص؛ ويخوض هذه المعركة مع الجشع والحرص في أغوار النفس ودروبها قبل الفتح وبعده على السواء. مما هو ظاهر لمن يتتبع التحذير من الربا، ومن أكل أموال الناس بالباطل، ومن أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا! ومن الجور على اليتيمات واحتجازهن للزواج الجائر رغبة في أموالهن! ومن نهر السائل، وقهر اليتيم، ومن حرمان المساكين... إلى آخر هذه الحملات المتتابعة العنيفة الدالة على الكثير من ملامح البيئة. فضلا على أنها توجيهات دائمة لعلاج النفس الإنسانية في كل بيئة. وحب المال، والحرص عليه، وشح النفس به، والرغبة في احتجانه، آفة تساور النفوس مساورة عنيفة، وتحتاج للانطلاق من إسارها والتخلص من أوهاقها، والتحرر من ربقتها، إلى معارك متلاحقة، وإلى علاج طويل!