وهنا قال لهم إبراهيم - عليه السلام - بخشيته وشفقته : { إِنَّ فِيهَا لُوطاً } أى : إن فى هذه القرية التى جئتم لإِهلاكها لوطا ، وهو نبى من أنبياء الله الصالحين فكيف تهلكونها وهو معهم فيها ؟ وهنا رد عليه الملائكة بما يزيل خشية فقالوا : { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا } من الأخيار ومن الأشرار ، ومن المؤمنين ومن الكافرين .
{ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين } أى : اضمئن يا إبراهيم فإن الله - تعالى - قد أمرنا أن ننجى لوطا وأن ننجى معه من الهلاك أهله المؤمنين ، إلا امرأته فستبقى مع المهلكين ، لأنها منهم ، بسبب خيانتها للوط - عليه السلام - حيث كانت تقر جرائم قومها ، ولا تعمل على إزالتها وإنكارها ، كما هو شأن الزوجات الصالحات .
والغابر : الباقى . يقال : غبر الشئ يغبر غبورا ، أى : بقى ، وقد يستعمل فيما مضى - أيضا - فيكون من الأضداد . ومنه قولهم : هذا الشئ حدث فى الزمن الغابر . أى : الماضى .
وأدركت إبراهيم رقته ورأفته ، فراح يذكر الملائكة أن في هذه القرية لوطا ؛ وهو صالح وليس بظالم !
وأجابه الرسل بما يطمئنه من ناحيته ، ويكشف له عن معرفتهم بمهمتهم وأنهم أولى بهذه المعرفة !
( قالوا : نحن أعلم بمن فيها ؛ لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) . .
وقد كان هواها مع القوم ، تقر جرائمهم وانحرافهم ، وهو أمر عجيب .
أي : من الهالكين ؛ لأنها كانت تمالئهم على كفرهم وبغيهم ودبرهم . ثم ساروا من عنده فدخلوا على لوط في صورة شباب حسان ، فلما رآهم كذلك ، { سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } أي : اهتمَّ{[22576]} بأمرهم ، إن هو أضافهم خاف{[22577]} عليهم من قومه ، وإن لم يضفهم خشي عليهم منهم ، ولم يعلم بأمرهم في الساعة الراهنة . { قَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ . إِنَّا مُنزلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } ، وذلك أن جبريل عليه السلام اقتلع قراهم من قرار الأرض ، ثم رفعها إلى عَنَان السماء ، ثم قلبها عليهم . وأرسل الله عليهم حجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ، وجعل [ الله ]{[22578]} مكانها بحيرة خبيثة منتنة ، وجعلهم عبرة إلى يوم التناد{[22579]} ، وهم من أشد الناس عذابا يوم المعاد ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً } أي : واضحة ، { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ، كَمَا قَالَ { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ } [ الصافات : 137 ، 138 ] .
روي عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام لما علم من قبل الملائكة أن قرية لوط تعذب أشفق على المؤمنين فجادل الملائكة وقال لهم : أرأيتم إن كان فيهم مائة بيت من المؤمنين أتتركونهم ، قالوا ليس فيهم ذلك ، فجعل ينحدر حتى انتهى إلى عشرة أبيات ، فقال له الملائكة ليس فيهم عشرة ولا خمسة ولا ثلاثة ولا اثنان ، فحينئذ قال إبراهيم { إن فيها لوطاً } فراجعوه حينئذ بأنا { نحن أعلم بمن فيها } أي لا تخف أن يقع حيف على مؤمن ، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر «لننَجّينّه » بفتح النون الوسطى وشد الجيم و «منَجّوك » بفتح النون وشد الجيم{[9247]} .
وقرأ حمزة والكسائي «لننْجينه » بسكون النون وتخفيف الجيم ، «ومنْجوك » ، بسكون النون وتخفيف الجيم ، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر «لننجّيه » بالتشديد و «ومنجوك » بالتخفيف ، وقرأت فرقة «لننجينْه » بسكون النون الأخيرة من الكلمة وهذا إنما يجيء على أنه خفف النون المشددة وهو يريدها ، وامرأة لوط هذه كانت كافرة تعين عليه وتنبه على أضيافه ، و «الغابر » الباقي ومعناه { من الغابرين } في العذاب ، وقالت فرقة { من الغابرين } أي ممن عمر وبقي من الناس وعسا في كفره{[9248]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.