{ وَهَذَا } القرآن العظيم ، والذكر الحكيم . { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } أي : فيه الخير الكثير والعلم الغزير ، وهو الذي تستمد منه سائر العلوم ، وتستخرج منه البركات ، فما من خير إلا وقد دعا إليه ورغب فيه ، وذكر الحكم والمصالح التي تحث عليه ، وما من شر إلا وقد نهى عنه وحذر منه ، وذكر الأسباب المنفرة عن فعله وعواقبها الوخيمة { فَاتَّبِعُوهُ } فيما يأمر به وينهى ، وابنوا أصول دينكم وفروعه عليه { وَاتَّقُوا } الله تعالى أن تخالفوا له أمرا { لَعَلَّكُمْ } إن اتبعتموه { تُرْحَمُونَ } فأكبر سبب لنيل رحمة الله اتباع هذا الكتاب ، علما وعملا .
ثم بين - سبحانه - منزلة القرآن فقال : { وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } أى : وهذا القرآن الذى قرأ عليكم أوامره ونواهيه رسولنا صلى الله عليه وسلم كتاب عظيم الشأن أنزلناه بواسطة الروح الأمين ، وهو جامع لكل أسباب الهداية الدائمة ، والسعادة الثابتة .
{ فاتبعوه } أى : اعملوا بما فيه من الأوامر والنواهى والأحكام .
{ واتقوا } مخالفته واتباع غيره .
{ اتقوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أى : لترحموا بواسطة اتباعه والعمل بما فيه .
( وهذا كتاب أنزلناه مبارك ، فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) . .
وإنه لكتاب مبارك حقاً - كما فسرنا ذلك من قبل عند ورود هذا النص في السورة أول مرة : 6 ذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ، ولتنذر أم القرى ومن حولها ، والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به ، وهم على صلاتهم يحافظون . . [ الآية : 92 ] . . وكان ذكر هذا الكتاب هناك بمناسبة الحديث عن العقيدة في مجالها الشامل ؛ وهو هنا يذكر بمناسبة الحديث عن الشريعة بنص مقارب ! ويؤمرون باتباعه ؛ وتناط رحمتهم من الله بهذا الاتباع . والكلام هنا بجملته في معرض الشريعة ، بعد ما تناولته أوائل السورة في معرض العقيدة .
{ هذا } إشارة إلى القرآن ، و { مبارك }{[5160]} وصف بما فيه من التوسعات وإزالة أحكام الجاهلية وتحريماتها وجمع كلمة العرب ووحدة أيدي متبعيه وفتح الله على المؤمنين به ومعناه : ُمَنِّمي خيره ُمَكَّثر ، و «البركة » : الزيادة والنمو ، و { فاتبعوه } دعاء إلى الدين ، { واتقوا } الأظهر فيه أنه أمر بالتقوى العامة في جميع الأشياء بقرينة قوله { لعلكم ترحمون } .
جملة : { وهذا كتاب أنزلته مبارك } عطف على جملة : { ثمّ آتينا موسى الكتاب } [ الأنعام : 154 ] . والمعنى : آتينا موسى الكتاب وأنزلنا هذا الكتاب كما تقدّم عند قوله تعالى : { ثم آتينا موسى الكتاب } [ الأنعام : 154 ] الخ . . .
وافتتاح الجملة باسم الإشارة ، وبناءُ الفعل عليه ، وجعل الكتاب الذي حقّه أن يكون مفعولَ : { أنزلناه } مبتدأ ، كلّ ذلك للاهتمام بالكتاب والتّنويه به ، وقد تقدّم نظيره : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه } في هذه السّورة ( 92 ) .
وتفريع الأمر باتباعه على كونه منزلاً من الله ، وكونه مباركاً ، ظاهر : لأنّ ما كان كذلك لا يتردّدُ أحد في اتّباعه .
والاتِّباع أطلق على العمل بما فيه على سبيل المجاز . وقد مضى الكلام فيه عند قوله تعالى : { إن أتبع إلا ما يوحى إليّ } [ الأنعام : 50 ] ، وقوله : { اتبع ما أوحي إليك من ربك } في هذه السّورة ( 106 ) .
والخطاب في قوله : { فاتبعوه } للمشركين ، بقرينة قوله : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } .
وجملة : { أنزلناه } في محلّ الصّفة ل { كتاب } ، و ( مبارك ) صفة ثانية ، وهما المقصد من الإخبار ، لأنّ كونه كتاباً لا مِرْيَة فيه ، وإنَّما امْتروا في كونه منزّلاً من عند الله ، وفي كونه مباركاً . وحسن عطف : { مبارك } على : { أنزلناه } لأنّ اسم المفعول لاشتقاقه هو في قوّة الفعل . ومعنى : { اتَّقُوا } كونوا متَّصفين بالتَّقوى وهي الأخذ بدين الحقّ والعملُ به . وفي قوله : { لعلكم ترحمون } وعد على اتّباعه وتعريض بالوعيد بعذاب الدّنيا والآخرة إن لم يتَّبعوه .