ثم ذكر - سبحانه - صفات أخرى لذاته فقال : { لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العلي العظيم } .
أى : لقد أوحى الله - تعالى - إليك أيها الرسول الكريم - بهذا القرآن كما أوحى إلى الرسل من قبلك بما شاء من وحى ، وهو - سبحانه - العزيز الذى لا يغلبه غالب ، الحكيم فى كل أقواله وأفعاله ، والذى له جميع ما فى السماوات وما فى الأرض خلقا وملكا وتصرفا . . وهو - سبحانه - { العلي } أى : المتعالى عن الأشباه والانداد والأمثال والأضداد { العظيم } أى : فى ذاته وفى صفاته ، وفى أفعاله .
ويستطرد في صفة الله الذي يوحي وحده إلى الرسل جميعاً ؛ فيقرر أنه المالك الوحيد لما في السماوات وما في الأرض ، وأنه وحده العلي العظيم :
( له ما في السماوات وما في الأرض ، وهو العلي العظيم ) . .
وكثيراً ما يُخدع البشر فيحسبون أنهم يملكون شيئاً ، لمجرد أنهم يجدون أشياء في أيديهم ، مسخرة لهم ، ينتفعون بها ، ويستخدمونها فيما يشاءون . ولكن هذا ليس ملكاً حقيقياً . إنما الملك الحقيقي لله ؛ الذي يوجد ويعدم ، ويحيي ويميت ؛ ويملك أن يعطي البشر ما يشاء ، ويحرمهم ما يشاء ؛ وأن يذهب بما في أيديهم من شيء ، وأن يضع في أيديهم بدلاً مما أذهب . . الملك الحقيقي لله الذي يحكم طبائع الأشياء ، ويصرفها وفق الناموس المختار ، فتلبي وتطيع وتتصرف وفق ذلك الناموس . وكل ما في السماوات وما في الأرض من شيء( لله )بهذا الاعتبار الذي لا يشاركه فيه أحد سواه . . ( وهو العلي العظيم ) . . فليس هو الملك فحسب ، ولكنه ملك العلو والعظمة على وجه التفرد كذلك . العلو الذي كل شيء بالقياس إليه سفول ؛ والعظمة التي كل شيء بالقياس إليها ضآلة !
ومتى استقرت هذه الحقيقة استقراراً صادقاً في الضمائر ، عرف الناس إلى أين يتجهون فيما يطلبون لأنفسهم من خير ومن رزق ومن كسب . فكل ما في السماوات وما في الأرض لله . والمالك هو الذي بيده العطاء . ثم إنه هو ( العلي العظيم )الذي لا يصغر ولا يسفل من يمد يده إليه بالسؤال ؛ كما لو مدها للمخاليق ، وهم ليسوا بأعلياء ولا عظماء .
لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَلِيّ العَظِيمُ * تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِن فَوْقِهِنّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرْضِ أَلاَ إِنّ اللّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ
يقول تعالى ذكره : لِلّهِ مُلك مَا فِي السّمَواتِ وَمَا فِي الأرْضِ من الأشياء كلها وَهُوَ العَلِيّ يقول : وهو ذو علوّ وارتفاع على كلّ شيء ، والأشياء كلها دونه ، لأنهم في سلطانه ، جارية عليهم قُدرته ، ماضية فيهم مشيئته الّعَظِيمُ الذي له العظمة والكبرياء والجبرية .
جملة { له ما في السموات وما في الأرض } مقررة لوصفه { العزيز الحكيم } [ الشورى : 3 ] لأن من كان ما في السماوات وما في الأرض مِلكاً له تتحقق له العزّة لقوة ملكوته ، وتتحقق له الحكمة لأن الحكمة تقتضي خلقَ ما في السماوات والأرض وإتقانَ ذلك النظام الذي تسير به المخلوقات . ولكون هذه الجملة مقررةً معنى التي قبلها كانت بمنزلة التأكيد فلم تعطف عليها .
وجملة { وهو العلي العظيم } عطف عليها مقررة لما قررته الجملة قبلها فإن مَن اتصف بالعلاء والعظمة لو لم يكن عزيزاً لتخلف علاؤهُ وعظمته ، ولا يكون إلا حكيماً لأن عَلاءه يقتضي سموّه عن سفاسف الصفات والأفعال ، ولو لم يكن عظيماً لتعلقت إرادته بسفاسف الأمور ولتنازل إلى عبث الفعال .
والعلو هنا علو مجازي ، وهو السموّ في الكمال بحيث كان أكمل من كل موجود كامل . والعظمة مجازية وهي جلالة الصفات والأفعال . وأفادت صيغة الجملة معنى القصر ، أي لا عليّ ولا عظيم غيره لأن مَن عداه لا يخلو عن افتقار إليه فلا علوّ له ولا عظمة . وهذا قصر قلب ، أي دون آلهتكم فلا علو لها كما تزعمون . قال أبو سفيان : أعْلُ هُبل .
وتقدم معنى هاتين الجملتين في خلال آية الكرسي من سورة البقرة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي}، يعني الرفيع فوق خلقه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: لِلّهِ مُلك مَا فِي السّمَواتِ وَمَا فِي الأرْضِ من الأشياء كلها، "وَهُوَ العَلِيّ "يقول: وهو ذو علوّ وارتفاع على كلّ شيء، والأشياء كلها دونه، لأنهم في سلطانه، جارية عليهم قُدرته، ماضية فيهم مشيئته "الّعَظِيمُ" الذي له العظمة والكبرياء والجبرية.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{له ما في السماوات وما في الأرض} ويُخرّج ذكر هذا في هذا الموضع على الوجوه:
أحدهما: أي {له ما في السماوات وما في الأرض} شهود على ألوهيته ووحدانيته. والثاني: أن ما في السماوات والأرض وما فيها، له دلالات وحدانيته وربوبيّته. والثالث: {له ما في السماوات وما في الأرض} أي كلهم عبيده ومُلكه فلا يحتمل أن يتخذ من ملكه وعبيده ما ذكروا من الولد والشريك.
{وهو العليّ العظيم} العلوّ والعظمة في الشاهد يكونان من وجوه ثلاثة:
أحدهما: العلوّ عبارة عن القهر والغلبة؛ يقال: فلان عال، أي غالب وقاهر، والعظمة عبارة عن القدرة والمنزلة ونفاذ الأمر.
والثاني: يكون العلوّ عبارة عن الكبرياء والسّؤدد، وكذلك العظمة.
والثالث: العلوّ يكون عبارة عن الارتفاع في المكان، والعظمة عظمة في البدن والنفس، وهذا مما لا يكون فيه كثير منقبة وقدر، ولا شيء من ذلك، ولا يزيد ذلك في صاحبه ِرفعة ولا مرتبة، والله يتعالى عن الوصف بهذا، فإنما رجع الوصف له بالعلو والعظمة إلى الوجهين الأولين: السلطان والقدرة ونفاذ الأمر والمشيئة والكبرياء والغلبة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{وَهُوَ الْعِليُّ الْعَظِيمُ}: عُلُوُّه وعظمتُه استحقاقُه لأوصاف المجد؛ أي وجوب أن يكون بصفات المجد والجلال...
المراد من العلي: المتعالي عن مشابهة الممكنات ومناسبة المحدثات.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أخبر سبحانه أنه صاحب الوحي بالشرائع دائماً قديماً وحديثاً، علل ذلك بأنه صاحب الملك العام فقال: {له ما في السماوات} أي من الذوات والمعاني، {وما في الأرض} كذلك.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يستطرد في صفة الله الذي يوحي وحده إلى الرسل جميعاً؛ فيقرر أنه المالك الوحيد لما في السماوات وما في الأرض، وأنه وحده العلي العظيم: (له ما في السماوات وما في الأرض، وهو العلي العظيم).. وكثيراً ما يُخدع البشر فيحسبون أنهم يملكون شيئاً، لمجرد أنهم يجدون أشياء في أيديهم، مسخرة لهم، ينتفعون بها، ويستخدمونها فيما يشاءون. ولكن هذا ليس ملكاً حقيقياً. إنما الملك الحقيقي لله؛ الذي يوجد ويعدم، ويحيي ويميت؛ ويملك أن يعطي البشر ما يشاء، ويحرمهم ما يشاء؛ وأن يذهب بما في أيديهم من شيء، وأن يضع في أيديهم بدلاً مما أذهب.. الملك الحقيقي لله الذي يحكم طبائع الأشياء، ويصرفها وفق الناموس المختار، فتلبي وتطيع وتتصرف وفق ذلك الناموس. وكل ما في السماوات وما في الأرض من شيء (لله) بهذا الاعتبار الذي لا يشاركه فيه أحد سواه.
(وهو العلي العظيم).. فليس هو الملك فحسب، ولكنه ملك العلو والعظمة على وجه التفرد كذلك. العلو الذي كل شيء بالقياس إليه سفول؛ والعظمة التي كل شيء بالقياس إليها ضآلة! ومتى استقرت هذه الحقيقة استقراراً صادقاً في الضمائر عرف الناس إلى أين يتجهون فيما يطلبون لأنفسهم من خير ومن رزق ومن كسب. فكل ما في السماوات وما في الأرض لله. والمالك هو الذي بيده العطاء. ثم إنه هو
(العلي العظيم) الذي لا يصغر ولا يسفل من يمد يده إليه بالسؤال؛ كما لو مدها للمخاليق، وهم ليسوا بأعلياء ولا عظماء...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {وهو العلي العظيم} عطف عليها مقررة لما قررته الجملة قبلها فإن مَن اتصف بالعلاء والعظمة لو لم يكن عزيزاً لتخلف علاؤهُ وعظمته، ولا يكون إلا حكيماً لأن عَلاءه يقتضي سموّه عن سفاسف الصفات والأفعال، ولو لم يكن عظيماً لتعلقت إرادته بسفاسف الأمور ولتنازل إلى عبث الفعال.
والعلو هنا علو مجازي، وهو السموّ في الكمال بحيث كان أكمل من كل موجود كامل.
والعظمة مجازية وهي جلالة الصفات والأفعال.
وأفادت صيغة الجملة معنى القصر، أي لا عليّ ولا عظيم غيره؛ لأن مَن عداه لا يخلو عن افتقار إليه فلا علوّ له ولا عظمة. وهذا قصر قلب، أي دون آلهتكم فلا
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
أمّا «العليّ» و «العظيم» اللذان هما رابع وخامس صفة لهُ (سبحانهُ وتعالى) في هذه الآيات، فهما يشيران إلى عدم حاجته لأي طاعة أو عبودية من عباده، وإنّما قام تعالى بتدبير أمر العباد عن طريق الوحي من أجل أن ينعم على عباده.