مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ} (4)

والصفة الثالثة قوله { له ما في السموات وما في الأرض } وهذا يدل على مطلوبين في غاية الجلال ( أحدهما ) كونه موصوفا بقدرة كاملة نافذة في جميع أجزاء السموات والأرض على عظمتها وسعتها بالإيجاد والإعدام والتكوين والإبطال ( والثاني ) أنه لما بين بقوله { له ما في السموات وما في الأرض } أن كل ما في السموات وما في الأرض فهو ملكه وملكه ، وجب أن يكون منزها عن كونه حاصلا في السموات وفي الأرض ، وإلا لزم كونه ملكا لنفسه ، وإذا ثبت أنه ليس في شيء من السموات امتنع كونه أيضا في العرش ، لأن كل ما سماك فهو سماء فإذا كان العرش موجودا فوق السموات كان في الحقيقة سماء ، فوجب أن يكون كل ما كان حاصلا في العرش ملكا لله وملكا له ، فوجب أن يكون منزها عن كونه حاصلا في العرش ، وإن قالوا إنه تعالى قال : { له ما في السموات } وكلمة ما لا تتناول من يعقل قلنا هذا مدفوع من وجهين ( الأول ) أن لفظة ما واردة في حق الله تعالى قال تعالى : { والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها } وقال : { لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد } ( والثاني ) أن صيغة من وردت في مثل هذه السورة قال تعالى : { إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } وكلمة من لا شك أنها واردة في حق الله تعالى فدلت هذه الآية على أن كل من في السموات والأرض فهو عبد الله فلو كان الله موجودا في السموات والأرض وفي العرش لكان هو من جملة من في السموات فوجب أن يكون عبد الله ، ولما ثبت بهذه الآية أن كل من كان موجودا في السموات والعرش فهو عبد لله وجب فيمن تقدست كبرياؤه عن تهمة العبودية أن يكون منزها عن الكون في المكان والجهة والعرش والكرسي .

والصفة الرابعة والخامسة قوله تعالى : { وهو العلي العظيم } ولا يجوز أن يكون المراد بكونه عليا العلو في الجهة والمكان لما ثبتت الدلالة على فساده ، ولا يجوز أن يكون المراد من العظيم العظمة بالجثة وكبر الجسم ، لأن ذلك يقتضي كونه مؤلفا من الأجزاء والأبعاض ، وذلك ضد قوله

{ الله أحد } فوجب أن يكون المراد من العلي المتعالي عن مشابهة الممكنات ومناسبة المحدثات ، ومن العظيم العظمة بالقدرة والقهر بالاستعلاء وكمال الإلهية .