في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ} (4)

ويستطرد في صفة الله الذي يوحي وحده إلى الرسل جميعاً ؛ فيقرر أنه المالك الوحيد لما في السماوات وما في الأرض ، وأنه وحده العلي العظيم :

( له ما في السماوات وما في الأرض ، وهو العلي العظيم ) . .

وكثيراً ما يُخدع البشر فيحسبون أنهم يملكون شيئاً ، لمجرد أنهم يجدون أشياء في أيديهم ، مسخرة لهم ، ينتفعون بها ، ويستخدمونها فيما يشاءون . ولكن هذا ليس ملكاً حقيقياً . إنما الملك الحقيقي لله ؛ الذي يوجد ويعدم ، ويحيي ويميت ؛ ويملك أن يعطي البشر ما يشاء ، ويحرمهم ما يشاء ؛ وأن يذهب بما في أيديهم من شيء ، وأن يضع في أيديهم بدلاً مما أذهب . . الملك الحقيقي لله الذي يحكم طبائع الأشياء ، ويصرفها وفق الناموس المختار ، فتلبي وتطيع وتتصرف وفق ذلك الناموس . وكل ما في السماوات وما في الأرض من شيء( لله )بهذا الاعتبار الذي لا يشاركه فيه أحد سواه . . ( وهو العلي العظيم ) . . فليس هو الملك فحسب ، ولكنه ملك العلو والعظمة على وجه التفرد كذلك . العلو الذي كل شيء بالقياس إليه سفول ؛ والعظمة التي كل شيء بالقياس إليها ضآلة !

ومتى استقرت هذه الحقيقة استقراراً صادقاً في الضمائر ، عرف الناس إلى أين يتجهون فيما يطلبون لأنفسهم من خير ومن رزق ومن كسب . فكل ما في السماوات وما في الأرض لله . والمالك هو الذي بيده العطاء . ثم إنه هو ( العلي العظيم )الذي لا يصغر ولا يسفل من يمد يده إليه بالسؤال ؛ كما لو مدها للمخاليق ، وهم ليسوا بأعلياء ولا عظماء .