{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } فنسب ما هو عليه من الضلال والباطل إلى اللّه ، { أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ } على يد رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم .
ولكن هذا الظالم العنيد ، أمامه جهنم { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } يؤخذ بها منهم الحق ، ويخزون بها ، وتكون منزلهم الدائم ، الذين لا يخرجون منه .
وقوله - تعالى - : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بالحق لَمَّا جَآءَهُ } أى : لا أحد أشد ظلماً ممن افترى على الله كذاب ، بأن زعم بأن لله - تعالى - شريكاً ، أو كذب بالحق الذى جاءه به الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أعرض عنه ، وأبى أن يستمع إليه .
والاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } للتقرير ، والمثوى : المكان الذى يثوى فيه الشخص ، ويقيم به ، ويستقر فيه .
أى : أليس فى جهنم مأوى ومكاناً يستقر فيه هؤلاء الكافرين لنعم الله - تعالى - ؟ بل إن فيها مكاناً لاستقرارهم ، وبئس المكان ، فإنها ساءت مستقرا ومقاما .
ثم قال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ } أي : لا أحد أشد عقوبة ممن كذب على الله فقال : إن الله أوحى إليه شيء ، ولم يوح إليه شيء . ومن قال : سأنزل مثل ما أنزل الله . وهكذا لا أحد أشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه ، فالأول مفتر ، والثاني مكذب ؛ ولهذا قال : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذّبَ بِالْحَقّ لَمّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى لّلْكَافِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ومن أظلم أيها الناس ممن اختلق على الله كذبا ، فقالوا إذا فعلوا فاحشة : وجدنا عليها آباءنا ، والله أمرنا بها ، والله لا يأمر بالفحشاء أوْ كَذّبَ بالحَقّ لَمّا جاءَهُ يقول : أو كذّب بما بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من توحيده ، والبراءة من الاَلهة والأنداد لما جاءه هذا الحقّ من عند الله ألَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى للْكافِرِينَ يقول : أليس في النار مَثْوًى ومَسْكَن لمن كفر بالله ، وجحد توحيده وكذّب رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا تقرير ، وليس باستفهام ، إنما هو كقول جرير :
ألَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكبَ المَطايا *** وأنْدَى العالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ
إنما أخبر أن للكافرين بالله مَسْكَنا في النار ، ومنزلاً يَثْوُون فيه .
{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } بأن زعم أن له شريكا . { أو كذب بالحق لما جاءه } يعني الرسول أو الكتاب ، وفي { لما } تسفيه لهم بأن لم يتوافقوا ولم يتأملوا قط حين جاءهم بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه . { أليس في جهنم مثوى للكافرين } تقرير لثوائهم كقوله :
***ألستم خير من ركب المطايا ***
أي إلا يستوجبون الثواء فيها وقد افتروا مثل هذه الكذب على الله وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب ، أو لاجترائهم أي ألم يعلموا أن { في جهنم مثوى للكافرين } حتى اجترؤوا مثل هذه الجراءة .