مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُۥٓۚ أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡكَٰفِرِينَ} (68)

ثم قال تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين }

لما بين الله الأمور على الوجه المذكور ولم يؤمن به أحد بين أنهم أظلم من يكون ، لأن الظلم على ما بين وضع الشيء في غير موضعه ، فإذا وضع واحد شيئا في موضع ليس هو موضعه يكون ظالما فإذا وضعه في موضع لا يمكن أن يكون ذلك موضعه يكون أظلم لأن عدم الإمكان أقوى من عدم الحصول ، لأن كل ما لا يمكن لا يحصل وليس كل ما لا يحصل لا يمكن ، فالله تعالى لا يمكن أن يكون له شريك وجعلوا له شريكا فلو كان ذلك في حق ملك مستقل في الملك لكان ظلما يستحق من الملك العقاب الأليم فكيف إذا جعل الشريك لمن لا يمكن أن يكون له شريك ، وأيضا من كذب صادقا يجوز عليه الكذب يكون ظلما فمن يكذب صادقا لا يجوز عليه الكذب كيف يكون حاله ؟ فإذا ليس أظلم ممن يكذب على الله بالشرك ويكذب الله في تصديق نبيه والنبي في رسالة ربه والقرآن المنزل من الله إلى الرسول ، والعجب من المشركين أنهم قبلوا المتخذ من خشب منحوت بالإلهية ، ولم يقبلوا ذا حسب منعوت بالرسالة ، والآية تحتمل وجها آخر وهو أن الله تعالى لما بين التوحيد والرسالة والحشر وقرره ووعظ وزجر قال لنبيه ليقول للناس : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } أي إني جئت بالرسالة وقلت إنها من الله وهذا كلام الله ، وأنتم كذبتموني فالحال دائر بين أمرين ، أما أنا مفتر متنبئ إن كان هذا من عند غير الله أو أنتم مكذبون بالحق إن كان من عنده لكني معترف بالعذاب الدائم عارف به فلا أقدم على الافتراء لأن جهنم مثوى للكافرين والمتنبئ كافر ، وأنتم كذبتموني فجهنم مثواكم إذ هي مثوى للكافرين ، وهذا حينئذ يكون كقوله تعالى : { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } .