{ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا } أي : وقى الله القويّ الرحيم ، ذلك الرجل المؤمن الموفق ، عقوبات ما مكر فرعون وآله له ، من إرادة إهلاكه وإتلافه ، لأنه بادأهم بما يكرهون ، وأظهر لهم الموافقة التامة لموسى عليه السلام ، ودعاهم إلى ما دعاهم إليه موسى ، وهذا أمر لا يحتملونه وهم الذين لهم القدرة إذ ذاك ، وقد أغضبهم واشتد حنقهم عليه ، فأرادوا به كيدًا فحفظه الله من كيدهم ومكرهم وانقلب كيدهم ومكرهم ، على أنفسهم ، { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ } أغرقهم الله تعالى في صبيحة واحدة عن آخرهم .
وقوله - تعالى - : { فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ } بيان للعاقبة الطيبة التى أكرمه الله - سبحانه - بها بعد صدوعه بكلمة الحق أمام فرعون وجنده . .
أى : فكانت نتيجة إيمان هذا الرجل ، وجهره بكلمة الحق ، ونصح لقومه ، أن وقاه الله - تعالى - ما أراده الظالمون به من أذى وعدوان ومن مكر سيئ .
{ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ } أى : ونزل وأحاط بفرعون وقومه { سواء العذاب } بأن أغرقهم الله - تعالى - فى أليم ، وجعلهم عبرة لمن يعتبر .
ويجمل السياق حلقات القصة بعد هذا . وما كان بين موسى وفرعون وبني إسرائيل . إلى موقف الغرق والنجاة : ويقف ليسجل " لقطات " بعد هذا الموقف الأخير . وبعد الحياة :
( فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب . النار يعرضون عليها غدوا وعشياً ، ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) .
وإذ يتحاجون في النار ، فيقول الضعفاء للذين استكبروا : إنا كنا لكم تبعاً ، فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار ? قال الذين استكبروا : إنا كل فيها ، إن الله قد حكم بين العباد . وقال الذين في النار لخزنة جهنم : أدعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب . قالوا : أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ? قالوا : بلى . قالوا :
( فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) . .
لقد طويت الدنيا ، وعرضت أول صفحة بعدها . فإذا الرجل المؤمن الذي قال كلمة الحق ومضى ، قد وقاه الله سيئات مكر فرعون وملئه ، فلم يصبه من آثارها شيء في الدنيا ، ولا فيما بعدها أيضاً . بينما حاق بآل فرعون سوء العذاب :
وقوله : فَوَقاهُ اللّهُ سَيّئاتِ ما مَكَرُوا يقول تعالى ذكره : فدفع الله عن هذا المؤمن من آل فرعون بإيمانه وتصديق رسوله موسى ، مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه من العذاب والبلاء ، فنجاه منه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : سَيّئات ما مَكَرُوا قال : وكان قبطيا من قوم فرعون ، فنجا مع موسى ، قال : وذكر لنا أنه بين يدي موسى يومئذ يسير ويقول : أين أمرت يا نبيّ الله ؟ فيقول : أمامك ، فيقول له المؤمن : وهل أمامي إلا البحر ؟ فيقول موسى : لا والله ما كَذَبتُ ولا كُذبتُ ، ثم يسير ساعة ويقول : أين أمرت يا نبيّ الله ؟ فيقول : أمامك ، فيقول : وهل أمامي إلا البحر ، فيقول : لا والله ما كذبت ، ولا كذبت ، حتى أتى على البحر فضربه بعصاه ، فانفلق اثني عشر طريقا ، لكل سبط طريق .
وقوله : وَحاقَ بآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ يقول : وحل بآل فرعون ووجب عليهم وعُني بآل فرعون في هذا الموضع تبّاعه وأهل طاعته من قومه ، كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ في قول الله : وَحاقَ بآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ قال : قوم فرعون .
وعُني بقوله : سُوءُ العَذَابِ : ما ساءهم من عذاب الله ، وذلك نار جهنم .
{ فوقاه الله سيئات ما مكروا } شدائد مكرهم . وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام . { وحاق بآل فرعون } بفرعون وقومه فاستغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك . وقيل بطلبة المؤمن من قومه فإنه فر إلى جبل فاتبعه طائفة فوجدوه يصلي والوحوش حوله صفوفا فرجعوا رعبا فقتلهم . { سوء العذاب } الغرق أو القتل أو النار .
والضمير في : { وقاه } يحتمل أن يعود على موسى ، ويحتمل أن يعود على مؤمن آل فرعون ، وقال قائلو ذلك : إن ذلك المؤمن نجا مع موسى عليه السلام في البحر ، وفر في جملة من فر معه من المتبعين .
وقرأ عاصم : { فوقاه الله } بالإمالة .
{ وحاق } معناه : نزل ، وهي مستعملة في المكروه . و : { سوء العذاب } الغرق وما بعده من النار وعذابها .