{ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ } أي : الصراط المستقيم ، والدين القويم . { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له ، وإعراضهم عن الحق ، فاجتمع هذا وهذا .
فإن قيل : فهل لهذا من عذر ، من حيث إنه ظن أنه مهتد ، وليس كذلك ؟
قيل : لا عذر لهذا وأمثاله ، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر اللّه ، مع تمكنهم على الاهتداء ، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه ، ورغبوا في الباطل ، فالذنب ذنبهم ، والجرم جرمهم .
فهذه حالة هذا المعرض عن ذكر اللّه في الدنيا ، مع قرينه ، وهو الضلال والغيّ ، وانقلاب الحقائق .
ثم بين - سبحانه - الآثار التى تترتب على مقارنة الشيطان للإِنسان فقال : { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } .
والضمير فى { وَإِنَّهُمْ } يعود إلى الشيطان باعتبار جنسه ، وفى قوله - تعالى - { لَيَصُدُّونَهُمْ } يعود إلى { وَمَن } فى قوله { وَمَن يَعْشُ } باعتبار معناها .
أى : ومن يعرض عن طاعة الله ، نهيئ له شيطانا ، فيكون ملازما له ملازمة تامة ، وإن هؤلاء الشياطين وظيفتهم أنهم يصدرون هؤلاء الفاسقين عن ذكر الله - تعالى - ، وعن سبيله الحق وصراطه المستقيم .
{ وَيَحْسَبُونَ } أى : هؤلاء الكافرون { أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } إلى السبيل الحق . فالضمائر فى قوله { وَيَحْسَبُونَ } وما بعده يعود إلى الكافرين .
ويصح أن يكون الضمير فى قوله { وَيَحْسَبُونَ } يعود إلى الكفار ، وفى قوله { أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } يعود إلى الشيطان ، فيكون المعنى :
ويظن هؤلاء الكافرون أن الشيطان مهتدون إلى الحق ، ولذلك اتبعوهم وأطاعوهم
ووظيفة قرناء السوء من الشياطين أن يصدوا قرناءهم عن سبيل الله ، بينما هؤلاء يحسبون أنهم مهتدون :
( وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ) . .
وهذا أسوأ ما يصنعه قرين بقرين . أن يصده عن السبيل الواحدة القاصدة ؛ ثم لا يدعه يفيق ، أو يتبين الضلال فيثوب ؛ إنما يوهمه أنه سائر في الطريق القاصد القويم ! حتى يصطدم بالمصير الأليم .
والتعبير بالفعل المضارع : ( ليصدونهم ) . . ( ويحسبون ) . . يصور العملية قائمة مستمرة معروضة للأنظار ؛ يراها الآخرون ، ولا يراها الضالون السائرون إلى الفخ وهم لا يشعرون .
يقول تعالى : { وَمَنْ يَعْشُ } أي : يتعامى ويتغافل ويعرض ، { عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ } والعشا في العين : ضعف بصرها . والمراد هاهنا : عشا البصيرة ، { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } كقوله : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [ النساء : 115 ] ، وكقوله : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] ، وكقوله : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } [ فصلت : 25 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءَنَا } . أي : هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ، ويهديه إلى صراط الجحيم .
وقوله : وإنّهُمْ لَيَصُدّوَنهُمْ عَنِ السّبِيل يقول تعالى ذكره : وإن الشياطين ليصدّون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله ، عن سبيل الحقّ ، فيزينون لهم الضلالة ، ويكرّهون إليهم الإيمان بالله ، والعمل بطاعته وَيحْسَبُونَ أنّهُمْ مُهْتَدُونَ يقول : ويظنّ المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة ، أنهم على الحقّ والصواب ، يخبر تعالى ذكره عنهم أنهم من الذي هم عليه من الشرك على شكّ وعلى غير بصيرة . وقال جلّ ثناؤه : وإنّهُمْ لَيَصُدّونَهُمْ عَنِ السّبِيلِ فأخرج ذكرهم مخرج ذكر الجميع ، وإنما ذُكر قبل واحدا ، فقال : نُقَيّضْ لَهُ شَيْطانا لأن الشيطان وإن كان لفظه واحدا ، ففي معنى جمع .