قوله تعالى : { ولن ينفعكم اليوم } في الآخرة ، { إذ ظلمتم } أشركتم في الدنيا ، { أنكم في العذاب مشتركون } يعني لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم العذاب ، لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب . وقال مقاتل : لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب كما كنتم مشتركين في الكفر .
كما في قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }
وقوله تعالى : { وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } أي : ولا ينفعكم يوم القيامة اشتراككم في العذاب ، أنتم وقرناؤكم وأخلاؤكم ، وذلك لأنكم اشتركتم في الظلم ، فاشتركتم في عقابه وعذابه .
ولن ينفعكم أيضا ، روح التسلي في المصيبة ، فإن المصيبة إذا وقعت في الدنيا ، واشترك فيها المعاقبون ، هان عليهم بعض الهون ، وتسلَّى بعضهم ببعض ، وأما مصيبة الآخرة ، فإنها جمعت كل عقاب ، ما فيه أدنى راحة ، حتى ولا هذه الراحة . نسألك يا ربنا العافية ، وأن تريحنا برحمتك .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما سيقال لهذا العاشى عن ذكر الله ولقرينه على سبيل التأنيب والتوبيخ فقال : { وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ } .
والضمير فى قوله : { يَنفَعَكُمُ } يعود إلى التمنى المذكور فى قوله : { ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين . . } و { إِذ } ظرف لما مضى من الزمان ، بدل من { اليوم } .
أى : ولن ينفعكم ندمكم وتمنيكم اليوم شيئا ، بعد أن تبين لكم أنكم كنتم ظالمين فى الدنيا ، ومصرين على الكفر والضلال .
وقوله : { أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ } تعليل لما قبله ، أى : ولن ينفعكم اليوم تمنيكم وندمكم لأنكم فى هذا اليوم أنتم وقرناؤكم مشتركون فى العذاب ، كما كنتم فى الدنيا مشتركون فى سببه ، وهو الكفر والضلال .
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : قوله : { أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ } فى محل الرفع على الفاعلية . يعنى : ولن ينفعكم كونكم مشتركين فى العذاب كما ينفع الواقعين فى الأمر الصعف اشتراكهم فيه لتعاونهم فى تحمل أعبائه . لأن كل واحد منكم ، به من العذاب ما هو فوق طاقته .
ولك أن تجعل الفاعل التنمى فى قوله : { ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ . . . } على معنى : ولن ينفعكم اليوم ما أنتم فيه من تمنى مباعدة القرين ، وقوله : { أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ } تعليل ، أى : ولن ينفعكم تمنيكم ، لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤهكم فى العذاب . . . وتقويه قراءة من قرأ { إنكم } بالكسر .
{ ولن ينفعكم اليوم } أي ما أنتم عليه من التمني . { إذ ظلمتم } إذ صح إنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا بدل من { اليوم } . { أنكم في العذاب مشتركون } لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وشياطينكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه ، ويجوز أن يسند الفعل إليه بمعنى . ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب كما ينفع الواقعين في أمر صعب معاونتهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لمكابدة عنائه ، إذ لكل منكم ما لا تسعه طاقته . وقرئ { إنكم } بالكسر وهو يقوي الأول .
وقوله تعالى : { ولن ينفعكم اليوم } الآية حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة ، وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي ، لأنه يوقفهم بها على أنهم لا ينفعهم التأسي ، وذلك لعظم المصيبة وطول العذاب واستمرار مدته ، إذ التأسي راحة كل شيء في الدنيا في الأغلب ، ألا ترى إلى قول الخنساء : [ الوافر ]
ولولا كثرة الباكين حولي . . . على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن . . . أعزي النفس عنه بالتأسي{[10211]}
فهذا التأسي قد كفاها مؤونة قتل النفس ، فنفى الله تعالى عنهم الانتفاع بالتأسي ، وفي ذلك تعذيب لهم ويأس من كل خير ، وفاعل قوله : { ينفعكم } الاشتراك .
وقرأ جمهور القراء : «أنكم » بفتح الألف . وقرأ ابن عامر وحده : «إنكم » بكسر الألف ، وقد يجوز أن يكون الفاعل { ينفعكم } التبري الذي يدل عليه قوله : { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين } وعلى هذا يكون «أنكم » في موضع نصب على المفعول من أجله ، وتخرج الآية على معنى نفي الأسوة .