روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِنَّهُمۡ لَيَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ} (37)

{ وَإِنَّهُمْ } أي الشياطين الذين قبض وقدر كل واحد منهم لكل واحد ممن يعشو { لَيَصُدُّونَهُمْ } أي ليصدون قرناءهم وهم الكفار المعبر عنهم بمن يعش ، وجمع ضمير الشيطان لأن المراد به الجنس ، وجمع ضمير من رعاية لمعنى كما أفرد أولا رعاية للفظ . وفي الانتصاف أن في هذه الآية نكتتين بديعتين الأولى الدلالة على أن النكرة الواقعة في سياق الشرط تفيد العموم وهي مسألة أضطرب فيها الأصوليون وإمام الحرمين من القائلين بإفادتها العموم حتى استدرك على الأئمة اطلاقهم القول بأن النكرة في سياق الإثبات تخص ، وقال إن الشرط يعم النكرة في سياقه تعم وقد رد عليه الفقيه أبو الحسن على الأبياري شارح كتابه رداً عنيفاً ، وفي هذه الآية للإمام ومن قال بقوله كفاية ، وذلك أن الشيطان ذكر فيها منكراً في سياق شرط ونحن نعلم أنه إنما أريد عموم الشياطين لا واحد لوجهين . أحدهما أنه قد ثبت أن لكل أحد شيطاناً فكيف بالعاشي عن ذكر الله تعالى والآخر من الآية وهو أنه أعيد عليه الضمير مجموعاً في قوله تعالى : { وَإِنَّهُمْ } فإنه عائد إلى الشيطان قولاً واحداً ولولا إفادته عموم الشمول لما جاز عود ضمير الجمع عليه بلا اشكال ، فهذه نكتة تجد عند سماعها المخالفي هذا الرأي سكتة . والنكتة الثانية أن فيها رداً على من زعم أن العود على معنى من يمنع من العود على لفظها بعد ذلك واحتج لذلك بأنه إجمال بعد تفسير ، وهو خلاف المعهود من الفصاحة وقد نقض ذلك الكندي وغيره بآيات ، واستخرج جدي من هذه الآية نقض ذلك أيضاً لأنه أعيد الضمير على اللفظ في { يَعْشُ . وَلَهُ } وعلى المعنى في { لَيَصُدُّونَهُمْ } ثم على اللفظ في { حتى إِذَا جَاءنَا } [ الزخرف : 38 ] وقد قدمت أن الذي منع قد يكون اقتصر بمنعه على مجيء ذلك في جملة واحدة وأما إذا تعددت الجمل واستقلت كل بنفسها فقد لا يمنع ذلك انتهى .

وفي كون ضمير { أَنَّهُمْ } عائداً على الشيطان قولاً واحداً نظر ، فقد قال أبو حيان : الظاهر أن ضمير النصب في { أَنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ } عائد على من على المعنى وهو أولى من عود ضمير { أَنَّهُمْ } على الشيطان كما ذهب إليه ابن عطية لتناسق الضمائر في { أَنَّهُمْ } ومن بعده فلا تغفل { عَنِ السبيل } المستبين الذي يدعو إليه ذكر الرحمن { وَيَحْسَبُونَ } أي العاشون { أَنَّهُمْ } أي الشياطين { مُّهْتَدُونَ } أي إلى ذلك السبيل الحق وإلا لما اتبعوهم أو يحسب العاشون ان أنفسهم مهتدون فإن اعتقاد كون الشياطين مهتدين مستلزم لاعتقاد كونهم كذلك لاتحاد مسلكهما .

والظاهر أن أبا حيان يختار هذا الوجه للتناسق أيضاً ، والجملة حال من مفعول { يَصِدُّونَ } بتقدير المبتدأ أو من فاعله أو منهما لاشتهمالها على ضميريهما أي وأنهم ليصدونهم عن الطريق الحق وهم يحسبون أنهم مهتدون إليه .

وصيغة المضارع في الأفعال الأربعة للدلالة على الاستمرار التجددي لقوله تعالى : { حتى إِذَا جَاءنَا } .