قوله تعالى : { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم } وبين الناقة ، يوم لها ويوم لهم ، وإنما قال : بينهم لأن العرب إذا أخبرت عن نبي آدم والبهائم غلبت بني آدم على البهائم ، { كل شرب } نصيب من الماء ، { محتضر } يحضره من كانت نوبته ، فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها ، وإذا كان يومهم حضروا شربهم ، وأحضر وحضر بمعنى واحد ، قال مجاهد : يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة ، فإذا جاءت الناقة حضروا اللبن .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ، ما أمر به نبيه صالحا - عليه السلام - فقال : { إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة فِتْنَةً لَّهُمْ فارتقبهم واصطبر وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } .
وقوله : { مُرْسِلُواْ الناقة } أى : مخرجوها وباعثوها ، لأنهم اقترحوا على نبيهم صالح أن يأتيهم بمعجزة تدل على صدقه ، لكى يتبعوه ، فأخرج الله - تعالى - لهم تلك الناقة ، من مكان مرتفع قريب منهم .
وإلى هذا المعنى أشار - سبحانه - فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - : { قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين قَالَ هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } وقوله { فِتْنَةً } أى : اختبارا وامتحانا لهم ، فهو مفعول لأجله .
وقوله { فارتقبهم } من الارتقاب بمعنى الانتظار ، ومثله { واصطبر } فهو من الاصطبار ،
وأل فى قوله : { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } للعهد . أى : الماء المعهود لهم ، وهو ماء قريتهم الذى يستعملونه فى حوائجهم المتنوعة .
وقوله : { قِسْمَةٌ } بمعنى المقسوم ، وعبر عنه بالمصدر للمبالغة .
والضمير فى " بينهم " يعود عليهم وعلى الناقة ، وجىء بمضير العقلاء على سبيل التغليب .
وقوله : { مُّحْتَضَرٌ } اسم مفعول من الحضور الذى هو ضد الغيبة ، وحذف المتعلق لظهوره . أى : محتضر عنده صاحبه .
والشِّرْب : النصيب والمرة من الشُّرب .
أى : وقلنا لنبينا صالح على سبيل الإرشاد والتعليم ، بعد أن طلب منه قومه معجزة تدل على صدقه . قلنا له . أخبرهم أننا سنرسل الناقة ، وسنخرجها لهم أمام أعينهم ، لتكون دليلا على صدقك ، ولتكون امتحانا واختبارا لهم ، حتى يظهر لك وللناس أيؤمنون أم يصرون على كفرهم .
{ فارتقبهم } - أيها الرسول الكريم - ، وانتظر ماذا سيصنعون بعد ذلك { واصطبر } على أذاهم صبرا جميلا ، حتى يحكم الله بينك وبينهم .
{ وَنَبِّئْهُمْ } أى : وأخبرهم خبرا هاما ، هذا الخبر هو { أَنَّ المآء } الذى يستقون منه { قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وبين الناقة ، أى : مقسوم بينهم وبينها ، فهم لا يشاركونها فى يوم شربها ، وهى لا تشاركهم فى يوم شربهم .
{ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } أى : كل نصيب من الماء يحضره من هوله ، فالناقة تحضر إلى الماء فى يومها ، وهم يحضرون إليه فى يوم آخر .
ففى هاتين الآيتين تعليم حكيم من الله - تعالى - لنبيه صالح ، وإرشاد له إلى ما يجب أن يسكله معهم ، بيقظة واعية يدل عليها قوله - تعالى- : { فارتقبهم } وبصبر جميل لا يأس معه ولا ضجر ، كما يشير إليه قوله - تعالى - : { واصطبر } .
وسياق القصة ينبىء عن كلام محذوف ، يعلم من سياقها ، والتقدير : أرسلنا الناقة ، وقلنا له أخبرهم ، أن الماء مقسوم بينهم وبين الناقة واستمروا على ذلك فترة من الزمان ، ولكنهم ملوا هذه القسمة ، ولم يرتضوها ، وأجمعوا على قتل الناقة .
وقوله : ونَبّئْهُمْ أنّ الماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ يقول تعالى ذكره : نبئهم : أخبرهم أن الماء قسمة بينهم ، يوم غبّ الناقة ، وذلك أنها كانت ترد الماء يوما ، وتغبّ يوما ، فقال جلّ ثناؤه لصالح : أخبر قومك من ثمود أن الماء يوم غبّ الناقة قسمة بينهم ، فكانوا يقتسمون ذلك يوم غبها ، فيشربون منه ذلك اليوم ، ويتزوّدون فيه منه ليوم ورودها .
وقد وجه تأويل ذلك قوم إلى أن الماء قسمة بينهم وبين الناقة يوما لهم ويوما لها ، وأنه إنما قيل بينهم ، والمعنى : ما ذكرت عندهم ، لأن العرب إذا أرادت الخبر عن فعل جماعة بني آدم مختلطا بهم البهائم ، جعلوا الفعل خارجا مخرج فعل جماعة بني آدم ، لتغليبهم فعل بني آدم على فعل البهائم .
وقوله : كُل شِرْب مُحْتَضَرٌ يقول تعالى ذكره : كلّ شرب من ماء يوم غبّ الناقة ، ومن لبن يوم ورودها محتضر يحتضرونه . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : كُلّ شِرْب مُحْتَضَر قال : يحضرون بهم الماء إذا غابت ، وإذا جاءت حضروا اللبن .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : كُل شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ قال : يحضرون بهم الماء إذا غابت ، وإذا جاءت حضروا اللبن .