قوله تعالى : { فآمن له لوط } يعني : صدقه ، وهو أول من صدق إبراهيم وكان ابن أخيه ، { وقال } يعني إبراهيم ، { إني مهاجر إلى ربي } فهاجر من كوثى ، وهو من سواد الكوفة ، إلى حران ثم إلى الشام ، ومعه لوط وامرأته سارة ، وهو أول من هاجر ، قال مقاتل : هاجر إبراهيم عليه السلام وهو ابن خمس وسبعين سنة . { إنه هو العزيز الحكيم* }
{ 26-27 } { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }
أي : لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه ، وهم مستمرون على عنادهم ، إلا أنه آمن له بدعوته لوط ، الذي نبأه اللّه ، وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره .
{ وَقَالَ } إبراهيم حين رأى أن دعوة قومه لا تفيدهم شيئا : { إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي } أي : هاجر أرض السوء ، ومهاجر إلى الأرض المباركة ، وهي الشام ، { إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ } أي : الذي له القوة ، وهو يقدر على هدايتكم ، ولكنه حَكِيمٌ ما اقتضت حكمته ذلك ، ولما اعتزلهم وفارقهم ، وهم بحالهم ، لم يذكر اللّه عنهم أنه أهلكهم بعذاب ، بل ذكر اعتزاله إياهم ، وهجرته من بين أظهرهم .
فأما ما يذكر في الإسرائيليات ، أن اللّه تعالى فتح على قومه باب البعوض ، فشرب دماءهم ، وأكل لحومهم ، وأتلفهم عن آخرهم ، فهذا يتوقف الجزم به على الدليل الشرعي ، ولم يوجد ، فلو كان اللّه استأصلهم بالعذاب لذكره كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة ، ولكن لعل من أسرار ذلك ، أن الخليل عليه السلام من أرحم الخلق وأفضلهم [ وأحلمهم ] وأجلهم ، فلم يدع على قومه كما دعا غيره ، ولم يكن اللّه ليجري بسببه عذابا عاما .
ومما يدل على ذلك ، أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط ، وجادلهم ، ودافع عنهم ، وهم ليسوا قومه ، واللّه أعلم بالحال .
وقوله - تعالى - : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ . . . } بيان للثمرة الطيبة التى ترتبت على دعوة إبراهيم لقومه ، إلى عبادة الله - تعالى - وحده ، بعد أن مكث فيهم مدة لا يعلمها إلا الله ، وبعد أن أقام لهم ألوانا من الأدلة على أن ما جاءهم به هو الحق ، وما هم عليه هو الباطل .
والتعبير بقوله - سبحانه - : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } يعشر بأن لوطا - عليه السلام - وحده ، هو الذى لبى دعوة إبراهيم ، وصدقه فى كل ما أخبر به .
ولوط - عليه السلام - يرى كثير من العلماء أنه ابن أخرى إبراهيم - عليه السلام - فهو لوط بن هاران بن آزر .
والضمير فى قوله - سبحانه - : { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي } يرى بعضهم أنه يعود إلى لوط ، لأنه أقرب مذكور . أى : فآمن لوط لإِبراهيم وصدقه فى كل ما جاء به ، وقال إنى مهاجر إلى الجهة التى أمرنى ربى بالهجرة إليها ، لأبلغ دعوته ، فهو لم يهاجر من أجل منفعة دنيوية ، وإنما هاجر من أجل تبليغ أمر به ، وإعلاء كلمته .
ويرى آخرون أن الضمير يعود إلى إبراهيم - عليه السلام - ، لأن الحديث عنه .
قال الآلوسى ما ملخصه : { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي } أى : وقال إبراهيم : إنى مهجر ، أى : من قومى ، إلى ربى . . أى إلى الجهة التى أمرنى بأن أهاجر إليها { إِنَّهُ } - عز وجل - { هُوَ العزيز } الغالب على أمره . . . { الحكيم } الذى لا يفعل فعلا إلا وفيه حكمة ومصلحة .
وقيل : الضمير فى { وَقَالَ } للوط - عليه السلام - ، وليس بشئ لما يلزم عليه من التفكيك .
وانتهت دعوة إبراهيم لقومه ، والمعجزة التي لا شك فيها . انتهت هذه وتلك بإيمان فرد واحد غير امرأته هو لوط . ابن أخيه فيما تذكر بعض الروايات . وهاجر معه من أور الكلدانيين في العراق ، إلى ما وراء الأردن حيث استقر بهما المقام :
( فآمن له لوط ، وقال : إني مهاجر إلى ربي ، إنه هو العزيز الحكيم ) . .
ونقف أمام قولة لوط : ( إني مهاجر إلى ربي ) . . لنرى فيم هاجر . إنه لم يهاجر للنجاة . ولم يهاجر إلى أرض أو كسب أو تجارة . إنما هاجر إلى ربه . هاجر متقربا له ملتجئا إلى حماه . هاجر إليه بقلبه وعقيدته قبل أن يهاجر بلحمه ودمه . هاجر إليه ليخلص له عبادته ويخلص له قلبه ويخلص له كيانه كله في مهجره ، بعيدا عن موطن الكفر والضلال . بعد أن لم يبق رجاء في أن يفيء القوم إلى الهدى والإيمان بحال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.