المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} (29)

29- فإذا أكملته خلقاً ونفخت فيه الروح التي هي ملكي ، فانزلوا بوجوهكم ساجدين له تحية وإكراما .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} (29)

قوله تعالى : { فإذا سويته } ، عدلت صورته ، وأتممت خلقه ، { ونفخت فيه من روحي } ، فصار بشرا حيا ، والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان ، وأضافه إلى نفسه تشريفا ، { فقعوا له ساجدين } ، سجود تحية لا سجود عبادة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} (29)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي خَالِقٌ بَشَراً مّن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : و اذكر يا محمد إذْ قالَ رَبّكَ للْمَلائِكَة إنّي خالِقٌ بَشَرا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فإذَا سَوّيْتُهُ يقول : فإذا صوّرته فعدّلت صورته وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فصار بشرا حيّا فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ سجود تحية وتكرمة لا سجود عبادة . وقد :

حدثني جعفر بن مكرم ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما خلق الله الملائكة قال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فقالوا : لا نفعل . فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . وخلق ملائكة أخرى ، فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبَوا ، قال : فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة أخرى ، فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة ، فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فقالوا : سمعنا وأطعنا . إلا إبليس كان من الكافرين الأوّلين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} (29)

و { سويته } معناه : كملته وأتقنته حتى استوت أجزاؤه على ما يجب ، وقوله : { من روحي } إضافة خلق وملك إلى خالق مالك ، أي من الروح الذي هو لي ولفظة الروح هنا للجنس .

وقوله : { فقعوا } من وقع يقع ، وفتحت القاف لأجل حرف الحلق ، وهذه اللفظة تقوي أن سجود الملائكة إنما كان على المعهود عندنا ، لا أنه خضوع وتسليم ، وإشارة ، كما قال بعض الناس ، وشبهوه بقول الشاعر [ أبي الأخزر الحماني ] : [ الطويل ]

فكلتاهما خرّت وأسجد رأسها . . . كما سجدت نصرانة لم تحنف{[7166]}

وهذا البيت يشبه أن يكون السجود فيه كالمعهود عندنا .

وحكى الطبري في تفسير هذه الآية عن ابن عباس : أنه قال : خلق الله ملائكة أمرهم بالسجود لآدم فأبوا ، فأرسل عليهم ناراً فأحرقتهم ، ثم خلق آخرين فأمرهم بالسجود فأطاعوا إلا إبليس فإنه كان من الأولين .

قال القاضي أبو محمد : وقول ابن عباس - من الأولين - يحتمل أن يريد في حالهم وكفرهم ، ويحتمل أن يريد : في أنه بقي منهم .


[7166]:تأتي "خر" بمعنى سجد، فقد نقل صاحب (اللسان ـ خرر) أن الأخفش قال: "خر: صار في حال سجوده"، وتأتي "أسجد" بمعنى "سجد"، قال الزمخشري في (أساس البلاغة ـ سجد): "وسجد البعير وأسجد: طامن رأسه لراكبه". "ولم تحنف" لم تسلم، وابن عطية يستشهد بالبيت على أن السجود هنا سجود حقيقي كالمألوف عندنا، و ليس مجرد خضوع وتسليم وإشارة". هذا والبيت لأبي الأخزر الحماني، و هو في (سيبويه)، وفي (اللسان ـ نصر)، وأنشده في (الإٌنصاف 445)، وفيه يصف الشاعر ناقتين خرتا من الإعياء، أو نحرتا فطأطأتا رأسيهما ، فشبه إسجادهما بسجود النصرانة، والنحويون يستشهدون بالبيت على أن (نصرانة) مؤنثة بالهاء، وأن المذكر منها (نصران) وإن لم يستعمل في الكلام إلا بياء النسب (نصراني)، وأن (النصارى) جمع (نصران) كما أن ندامى جمع ندمان.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} (29)

التسوية : تعديل ذات الشيء . وقد أطلقت هنا على اعتدال العناصر فيه واكتمالها بحيث صارت قابلة لنفخ الروح .

والنفخ : حقيقته إخراج الهواء مضغوطاً بين الشفتين مضمومتين كالصفير ، واستعير هنا لوضع قوة لطيفة السريان قوية التأثير دَفعة واحدة ، وليس ثَمة نفخ ولا منفوخ .

وتقريب نفخ الروح في الحي أنه تكون القوّة البخارية أو الكهربائية المنبعثة من القلب عند انتهاء استواء المزاج وتركيب أجزاء المزاج تكوناً سريعاً دفعياً وجريان آثار تلك القوة في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن في تجاويف جميع أعضائه الرئيسة وغيرها .

وإسناد النفخ وإضافة الروح إلى ضمير اسم الجلالة تنويه بهذا المخلوق . وفيه إيماء إلى أن حقائق العناصر عند الله تعالى لا تتفاضل إلا بتفاضل آثارها وأعمالها ، وأن كراهة الذات أو الرائحة إلى حالة يكرهها بعض الناس أو كلهم إنما هو تابع لما يلائم الإدراك الحسي أو ينافره تبعاً لطباع الأمزجة أو لإِلفِ العادة ولا يُؤْبَه في علم الله تعالى . وهذا هو ضابط وصف القذارة والنّزاهة عند البشر .

ألا ترى أن المني يستقذر في الحس البشري على أن منه تكوين نوعه ، ومنه تخلقت أفاضل البشر . وكذلك المسك طَيّب في الحس البشري لملاءمة رائحته للشّم وما هو إلا غُدة من خارجات بعض أنواع الغزال ، قال تعالى : { وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسلَهُ من سلالة من ماء مهين ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون } [ سورة السجدة : 7 9 ] .

وهذا تأصيل لكون عالم الحقائق غير خاضع لعالم الأوهام . وفي الحديث « لَخلُوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك » . وفيه لا يُكْلَم أحد في سبيل الله ؛ واللّهُ أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة ودَمه يَشْخُب اللّونُ لونُ الدم والريح ريح المسك .

ومعنى { فقعوا له ساجدين } أُسقُطوا له ساجدين ، وهذه الحال لإفادة نوع الوقوع ، وهو الوقوع لقصد التعظيم ، كقوله تعالى : { وخرّوا له سجداً } [ سورة يوسف : 100 ] . وهذا تمثيل لتعظيم يناسب أحوال الملائكة وأشكالهم تقديراً لبديع الصنع والصلاحية لمختلف الأحوال الدال على تمام علم الله وعظيم قدرته .

وأمر الملائكة السجود لا ينافي تحريم السجود في الإسلام لغير الله من وجوه :

أحدها : أن ذلك المنع لسدّ ذريعة الإشراك والملائكة معصومون من تطرّق ذلك إليهم .

وثانيها : أن شريعة الإسلام امتازت بنهاية مبالغ الحق والصلاح ، فجاءت بما لم تجىء به الشرائع السالفة لأن الله أراد بلوغ أتباعها أوج الكمال في المدارك ، ولم يكن السجود من قبل محظوراً فقد سجد يعقوب وأبناؤه ليوسف عليهم السلام وكانوا أهل إيمان .

وثالثها : أن هذا إخبار عن أحوال العالم العلوي ، و لا تقاس أحكامه على تكاليف عالم الدنيا .