17- أيهملون التدبر في الآيات ، فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت خلقاً بديعاً يدل على قدرة الله ؟ {[231]} .
{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } قال أهل التفسير : لما نعت الله تعالى في هذه السورة ما في الجنة عجب من ذلك أهل الكفر وكذبوه ، فذكر لهم الله تعالى صنعه فقال : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } وكانت الإبل أعظم عيش العرب ، لهم فيها منافع كثيرة ، فلما صنع لهم ذلك في الدنيا صنع لأهل الجنة فيها ما صنع . وتكلمت الحكماء في وجه تخصيص الإبل من بين سائر الحيوانات ، فقال مقاتل : لأنهم لم يروا بهيمة قط أعظم منها ، ولم يشاهدوا الفيل إلا الشاذ منهم . وقال الكلبي : لأنها تنهض بحملها وهي باركة . وقال قتادة : ذكر الله تعالى ارتفاع سرر الجنة وفرشها ، فقالوا : كيف يصعدها فأنزل الله تعالى هذه الآية . وسئل الحسن عن هذه الآية ، وقيل له : الفيل أعظم في الأعجوبة ؟ فقال : أما الفيل فالعرب بعيدة العهد بها . ثم هو خنزير لا يركب ظهرها ولا يؤكل لحمها ولا يحلب درها ، والإبل من أعز مال العرب وأنفسها تأكل النوى وألقت وتخرج اللبن . وقيل : إنها مع عظمها تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف ، حتى إن الصبي الصغير يأخذ بزمامها فيذهب بها حيث شاء ، وكان شريح القاضي يقول : اخرجوا بنا إلى كناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَىَ الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } .
يقول تعالى ذكره لمُنكري قدرته على ما وصف في هذه السورة ، من العقاب والنكال الذي أعدّه لأهل عداوته ، والنعيم والكرامة التي أعدّها لأهل ولايته : أفلا ينظر هؤلاء المنكرون قُدرة الله على هذه الأمور ، إلى الإبل كيف خلَقها ، وسخرها لهم وذَلّلها ، وجعلها تحمل حملها باركة ، ثم تنهض به ، والذي خلق ذلك غير عزيز عليه أن يخلق ما وصف من هذه الأمور في الجنة والنار ، يقول جلّ ثناؤه : أفلا ينظرون إلى الإبل ، فيعتبرون بها ، ويعلمون أن القُدرة التي قدَر بها على خلقها ، لن يُعجزه خلق ما شابهها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما نعت الله ما في الجنة ، عَجّب من ذلك أهل الضلالة ، فأنزل الله : أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ فكانت الإبل من عيش العرب ومن خوَلهم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شُعبة ، عن أبي إسحاق ، عمن سمع شريحا يقول : اخرجوا بنا ننظر إلى الإبل كيف خُلقت .
أفلا ينظرون نظر اعتبار إلى الإبل كيف خلقت خلقا دالا على كمال قدرته وحسن تدبيره حيث خلقها لجر الأثقال إلى البلاد النائية فجعلها عظيمة باركة للمحل ناهضة بالحمل منقادة لمن اقتادها طوال الأعناق لينوء بالأوقار ترعى كل نابت وتحتمل العطش إلى عشر فصاعدا ليتأتى لها قطع البوادي والمفاوز مع ما لها من منافع أخرى ولذلك خصت بالذكر لبيان الآيات المنبثة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكثرها صنعا ولأنها أعجب ما عند العرب من هذا النوع وقيل المراد بها السحاب على الاستعارة .
ثم أقام تعالى الحجة على منكري قدرته على بعث الأجساد بأن وقفهم على موضع العبرة في مخلوقاته ، و { الإبل } في هذه الآية هي الجمال المعروفة ، هذا قول جمهور المتأولين ، وفي الجمل آيات وعبر لمن تأمل ليس في الحيوان ما يقوم من البروك بحمله سواه وهو على قوته غاية في الانقياد . قال الثعلبي في بعض التفاسير : إن فأرة جرت بزمام ناقة فتبعتها حتى دخلت الحجر فبركت الناقة وأذنت رأسها من فم الحجر ، وكان سريح القاضي يقول لأصحابة : اخرجوا بنا إلى الكناسة{[11778]} حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت ، وقال أبو العباس المبرد { الإبل } هنا السحاب ، لأن العرب قد تسميها بذلك إذ تأتيها أرسالاً كالإبل وتزجى كما تزجى{[11779]} الإبل في هيئتها أحياناً تشبه الإبل والنعام ، ومنه قول الشاعر : المتقارب ]
كأن السحاب دوين السما . . . نعام تعلق بالأرجلِ{[11780]}
وقرأ أبو عمر بخلاف وعيسى «الإبلّ » بشد اللام{[11781]} وهي السحاب فيما ذكر قوم من اللغويين والنقاش وقرأ الجمهور «خُلقَت » بفتح القاف وضم الخاء ، وقرأ علي بن أبي طالب «خَلقْت » بفتح الخاء وسكون القاف على فعل التكلم ، وكذلك رفعت ونصبت «وسطحت » وقرأ أبو حيوة «رفّعت » و «نصّبت » و «سطّحت » بالتشديد فيها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.